الاحتلال يواصل عدوانه على جنين ومخيمها: اعتقالات وتجريف محيط مستشفيي جنين الحكومي وابن سينا    الخليل: استشهاد مواطنة من سعير بعد أن أعاق الاحتلال نقلها إلى المستشفى    الاحتلال يطلق الرصاص على شاطئ مدينة غزة ومحور صلاح الدين    الاحتلال يشدد من اجراءاته العسكرية ويعرقل تنقل المواطنين في محافظات الضفة    الرجوب ينفي تصريحات منسوبة إليه حول "مغربية الصحراء"    الاحتلال يوقف عدوانه على غزة: أكثر من 157 ألف شهيد وجريح و11 ألف مفقود ودمار هائل    الأحمد يلتقي ممثل اليابان لدى فلسطين    هيئة الأسرى ونادي الأسير يستعرضان أبرز عمليات تبادل الأسرى مع الاحتلال    الاحتلال يشدد إجراءاته العسكرية على حاجزي تياسير والحمرا في الاغوار وينصب بوابة حديدية على حاجز جبع    حكومة الاحتلال تصادق على اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة    استشهاد مواطن وزوجته وأطفالهم الثلاثة في قصف للاحتلال جنوب قطاع غزة    رئيس وزراء قطر يعلن التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار في غزة    "التربية": 12,329 طالبا استُشهدوا و574 مدرسة وجامعة تعرضت للقصف والتخريب والتدمي    الاحتلال يُصدر ويجدد أوامر الاعتقال الإداري بحق 59 معتقلا    "فتح" بذكرى استشهاد القادة أبو إياد وأبو الهول والعمري: سنحافظ على إرث الشهداء ونجسد تضحياتهم بإقامة الدولة المستقلة وعاصمتها القدس  

"فتح" بذكرى استشهاد القادة أبو إياد وأبو الهول والعمري: سنحافظ على إرث الشهداء ونجسد تضحياتهم بإقامة الدولة المستقلة وعاصمتها القدس

الآن

عن محمد عساف الفتى الذي كسر الجرّة- راسم المدهون


تباين مواقف القوى السياسية ومعها النخبة من مشاركة وصعود الفنان الفلسطيني الشاب محمد عساف في برنامج المسابقات الغنائي «أراب آيدل» كان ولا يزال لافتاً، ولا نغالي حين نقول إنه تجاوز منطق المناكفات السياسية المعهودة خصوصاً بين الفصيلين الكبيرين فتح وحماس. مع محمد عساف، أعتقد أن المنطق والرؤى السياسية برمّتها قد وجدت ضالتها للتعبير عن اختلافها وتمايزها وإن في مساحة «ملتبسة»، أو لنقل إنها مساحة ليست سياسية «تماماً» كما جرت العادة.
في موروث ما بعد نكبة العام 1948، لا مكان لفن الغناء في الرزنامة الوطنية ولو طرب الشعب كشعب أو أفراده كأفراد، فالحال المأسوية التي عاشها الشعب منذ ذلك التاريخ فرضت على الجميع حالة من «الحداد» الجماعي، التي لا يليق بها أي انتهاك يقوم به مطرب ما في العلن، ونعني بالعلن هنا ظهور من يحترف فن الغناء بهويته الفلسطينية الواضحة والصريحة.
هو سياق اجتماعي يبدو اليوم انه، مع كل غرابته وخروجه عن المنطق، قد وجد فرصته الكبرى الأخيرة في بعث تمظهره على نحو بارز في صفوف المجتمع الفلسطيني ومنه النخبة السياسية والثقافية بدرجة أقل في الموقف من محمد عساف، الفتى القادم الى برنامج مسابقات غنائي من قطاع غزة بالذات، أي من «مملكة» الممنوعات والمحرّمات. فالسلطة الحاكمة هناك تأخذ على عاتقها ضبط حركة المجتمع أخلاقياً على نحو تبيح معه لنفسها أن تعتبر أن محمد عساف واستخدام الشباب لمعجون «الجل» لشعرهم وارتداء السروال الساحل بمثابة ثالوث بغيض تصفه تلك السلطة بأنه ساهم ويساهم في «تخفيض منسوب الرجولة» في المجتمع الفلسطيني، الذي لا تراه تلك السلطة مجتمعاً بالمعنى السوسيولوجي المتعارف عليه منذ ابن خلدون، ولكن كمجاميع من المقاومين حتى ولو لم تكن هناك مقاومة بالمعنى الواقعي للكلمة.
لا أظن أن محمد عساف موجة أو مجرّد ظاهرة. فهو بمشاركته اللافتة رفع الغطاء عن قدر كان ولا يزال يغلي بنار الموروث السياسي – الاجتماعي الذي يجد نفسه اليوم غير قادر على إعادة إنتاج فاعليته على النحو الذي عاشه منذ النكبة الكبرى.
ولكي تكتمل عناصر الاختلاف وأسبابه من حول الفنان الشاب، سيعود «أصحاب الأمر» إلى سيرة عساف، التي تسعفهم بمعلومة ليست قليلة المغزى. فالفتى الغزّي أطلق قبل سنوات، أي في مرحلة الدراسة الثانوية، أغنية لا تزال تبث على الشاشة الصغيرة من خلال تلفزيون فلسطين، عنوانها وكلماتها «علّي الكوفية علّي»، على ما في كلمات كهذه من تغنٍ واضح لا يخفى على أولئك وجمهورهم ونخبتهم أن يعرفوا ببساطة من هو صاحب الكوفية الأشهر في الساحة السياسية الفلسطينية.
هكذا اختزلت تجربة مشاركة الفنان الشاب في برنامج المسابقات الغنائي الأشهر صراعات وأيديولوجيات وخلافات سياسية ليست عابرة ولا ثانوية، وإن بدت تتموضع خارج حيزها المألوف الذي اعتادت أن تلعب على مسرحه: محمد عساف صوره تنتشر في الشوارع والسيارات، أي أنه بمعنى ما نجم اللحظة إن لم نقل نجم المرحلة، التي لم تعتد الساحة أن يكون نجومها من خارج صفوف المقاومين تحديداً، بغض النظر عن اختلاف مفاهيمنا للمقاومة معنىً وممارسةً، وبالطبع اختلاف أشكالها وممارساتها في الواقع، وهو ما استدعى أن تتحرك وزارة داخلية الحكومة المقالة لنزع الصور من السيارات وواجهات البيوت.
«الأنكى» من ذلك كلّه أن الفنان الشاب «كسر الجرّة» تماماً، فهو لم يكتف بالمشاركة والغناء في «أراب آيدول»، بل ذهب في ذلك بعيداً إذ تجاوز الغناء الوحيد المتخيل في أذهان البعض، أعني الغناء الوطني الذي يمكن «تسويغه» باعتباره نوعاً من «الأناشيد»، وغنى أغنيات عاطفية ذات طابع طربي خالص، أي أنه تعامل مع الأمر وكأنه ليس من بلاد محتلّة، بل قدّم هويته الفلسطينية في صورة طبيعية «تشبه» باقي الهويات العربية الأخرى من دون أن يرف له جفن!
لا أعرف محمد عساف ولا إبن من هو، وإن عرفت أنه جاء من خان يونس، مدينتي التي لجأت إليها عائلتي عام 1948 وعشت فيها قسطاً لا ينسى من عمري، والتي أعرف كم هي مزدحمة بالفقراء و «العاديين» من اللاجئين ومن غير اللاجئين، وكلُهم بشر لا يختلفون في إحساسهم بالطرب وشوقهم للتعبير عن مشاعرهم الإنسانية التي تحتجزها الأيديولوجيات المتنافضة عبثاً في حيز الماضي الضيق.
لا أجد في وصف الحالة التي خلقتها مشاركة عساف في البرنامج أبلغ من حالة الحرج التي واجهها أحد الناطقين الرسميين باسم حكومة حركة حماس في غزة عند سؤاله بهروبه من الأمر كله والاكتفاء بالقول: «إن محمد عساف من عائلة محترمة».
المصدر:
الحياة

za

إقرأ أيضاً

الأكثر زيارة

Developed by MONGID | Software House جميع الحقوق محفوظة لـمفوضية العلاقات الوطنية © 2025