عساف توج فلسطين بالفرح- عادل عبد الرحمن
ركع الفنان محمد عساف مقبلا الارض، وصرخ الشعب العربي الفلسطيني من اقصاه إلى اقصاه في الوطن والشتات وداخل الداخل بأعلى الصوت فرحا بفوز فنان فلسطين والعرب بلقب محبوب العرب في دورته الثانية.
من القدس العاصمة الى غزة الأبية الى رام الله الشامخة الى الناصرة البشارة وحيفا عروس المتوسط وخان يونس الولادة الاولى .. كانت لحظة استثنائية للفرح الفلسطيني، فاقت كل اللحظات السابقة لها، حيث رقصت المدن والقرى والمخيمات في الوطن والشتات والمهاجر على انغام الفوز العظيم لابن فلسطين المبدع الفنان محمد عساف. لم تبقَ مدينة ولا قرية ولا مخيم ولا بيت فلسطيني او عربي ممن دعموا الفنان عساف إلا وغنوا طربا، وهتفوا باعلى صوتهم للفن الاصيل، وللفنان المبدع عساف، الذي انتصر بكفاءته، وبدعمهم، دعم المواطنين والقطاعات السياسية والاقتصادية والثقافية والفنية والاعلامية والاجتماعية.
كان عساف على مستوى المسؤولية الوطنية والفنية، حيث اهدى انتصاره للشهداء والاسرى والجرحى ولعموم الشعب، الذي لولاه، لما تمكن محمد من الوصول الى لقب محبوب العرب.
اجترح عساف معجزة الفرح والامل ليمنحها للشعب بصوته وغنائه الأخاذ للوطن والكوفية والحب والحياة. ابن مخيم خانيونس نثر في ارجاء الشعب وتجمعاته البسمة، وأعطاهم الامل بالفوز وتحقيق الاهداف الوطنية. لأن فن محمد عساف ليس منفصلا عن معارك الشعب الكبرى في بلوغ هدف الحرية والاستقلال وتقرير المصير وضمان حق العودة. لا بل هو جزء اصيل من معارك الشعب، وكما يعلم القاصي والداني، ان الثقافة والمثقفين والفنانين على مدار التاريخ المعاصر، كانت وكانوا في الخندق الامامي دفاعا عن الهوية والشخصية الوطنية.
ومحمد بوقوفه الشامخ على مدار الشهور الاربعة الماضية أسبوعا بعد أسبوع على مسرح "أراب ايدول"، منتقلا من مستوى الى آخر حتى الفوز بلقب محبوب العرب، كان كل اسبوع يؤكد على حضور شعبه على المنبر الفني والثقافي والسياسي. وكان يؤكد حق شعبه في الحرية والاستقلال، وإقامة الدولة المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية على حدود الرابع من حزيران عام 1967، وتوّجها بأغنيته الخاصة "علي الكوفية علي" التي الهبت الشعب الفلسطيني داخل المسرح وخارجه.
الفتى الاسمر، عندليب فلسطين والعرب الجديد، رغم وجود فنانين فلسطينيين في العديد من الدول العربية، وحتى في فلسطين، لكن عساف أعطى لوجوده ولصوته ولموهبته نكهة أخرى، وطعما آخر، حتى بدا وكأن الفلسطينيين يدخلون عالم الطرب لأول مرة، مع ان الحقيقة غير ذلك، ففلسطين قبل النكبة واثناءها وبعدها كانت موجودة في حقول الفن والثقافة من خلال الموسيقي رياض البندك، والمسرحي نصري الجوزي، والاخوين لاما في السينما, أضف الى اسماء كبيرة ورائعة في ميادين التمثيل والغناء والفن التشكيلي والتعبيري في العديد من الدول العربية: مصر والاردن وسوريا ولبنان والخليج والمغرب العربي.
الفنان محمد عساف، إضافة نوعية نادرة كما قالت الفنانة شيرين عبد الوهاب: "كل خمسين سنة يأتي شخص شبيه بمحمد عساف، والذي اكده الفنان والموزع الموسيقي حسن الشافعي، الذي قال: ليس كل خمسين سنة بل كل خمسمائة عام. مما يدلل على عبقرية موهبة الفنان الفلسطيني العربي عساف. وهو ما يؤكد، ان محمد عساف، لم يحصل على اللقب نتاج التصويت فقط، وان كان له دور رئيسي، ولكن لقناعة المواطنين من العرب والفلسطينيين, بأن عساف يمثلهم فنيا، لانه أعاد الاعتبار للفن العربي الاصيل.
ولعل انتصار وفوز محمد عساف يشكل لحظة انعطافة لاعادة الاعتبار للفن العربي الاصيل، مع ما يعنيه هذا التحول على الصعد السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية. ولهذا وقف الشعب, كل الشعب خلف محمد عساف، لأنه يمثل كل مواطن على انفراد، كل طفل، وكل امرأة وكل شيخ ورجل.
ولأن انتصار محمد عساف للشعب كله، قام الرئيس ابو مازن بمنحه درجة سفير النوايا الحسنة، كما فعل ممثل الامم المتحدة بأن منحه لقب سفير الشباب اللاجىء، مع تسلمه للقب محبوب العرب من الفنان عاصي الحلاني، ضيف الحلقة الاخيرة.. محمد عساف توج فلسطين الارض والشعب والثقافة والفن بأكاليل الغار والفرح، وحشر اولئك الانقلابيين في زوايا الظلام، في موقعهم المناسب، أولئك، الذين طاردوه وحاربوه، ولكنهم فشلوا وهزموا، وانتصر الفنان والشعب على الظلام والظلامية، وهذا يدلل على سقوط خيارهم.