مصر.. اسقاط « دولة الجماعة » وانتصار « دولة الشعب»- موفق مطر
ما يحدث بمصر هو تحرير لارادة الشعب المصري من هيمنة «سلطة الكهنة » التي اخترعها الاخوان المسلمون قبل ثمانين عاما وكانت بافرازاتها وانشقاقاتها ومشتقاتها عوائقا كالجبال المسننة امام تطور حركة الفكر الانساني العربي العلمي والاجتماعي والثقافي والاقتصادي والسياسي.
ما يحدث بمصر هو انطلاقة ورؤية ثورية تنويرية جديدة ستضع حدا لاستخدام الدين في السياسة، وتجعله رسالة سامية منزهة، ومرجعا لقيم الأخلاق الفردية والجمعية، وتطهير أذهان المجتمع من عليق المفاهيم ظلامية الجاهلية الاستبدادية الفوقية التي طوعتها الجماعة ووظفتها لبسط هيمنتها على الجماهير ودفعها الى مشاكل وصراعات بعضها دموي، اضعفت اركان الدولة والوطن، ومنعت قيام دولة عربية حديثة.
يقبر المصريون والى الأبد منطق اتكالية احتلت عقلية الفرد العربي منذ مرحلة الاستقلال، فالمواطن المصري اليوم يضرب مثلا رائعا في الاحساس والشعور بالمسؤولية الفردية عن التغيير، ومعنى الواجب والفعل المناسب لتجسيمه فما نشهده في ساحات المدن المصرية ليس تظاهرات، او تجمعات بشرية لا سابق لها في تاريخ مصر او العالم وحسب، بل تعبير عن ثورة حقيقية في عقلية الشخصية العربية ورؤية الفرد العربي للأمور من حوله، فالمواطن يدرك بهذا التعبير اللا مسبوق في سجل الشعوب ان التغيير والبناء ارادة جماعية منبعها الوعي الفردي لمعنى الوطنية والواجب والحقوق، فالدول والأوطان لا تحميها وترفعها صيغ وقوة الدساتير والقوانين والأجهزة الضابطة للقانون وحسب بل ترقى بوعي الفرد اولا بمبادىء الانتماء للوطن والمساواة والعدالة، وأداء الواجب قبل المناداة بالحقوق، فالمصريين الآن اعادوا ترتيب منطق الأولويات وحرروا ذهنية الفرد من الاتكالية التي هزمتهم في اللحظات الصعبة، واضعفت حركات تحررهم السابقة وقواهم وأحزابهم السياسية التي افرزت قيادات نبيلة لم تر في السلطة هدفا بقدر ما كانت ترى في الانسان وحريته الغاية الأسمى.
ما يحدث في مصر هو اعلان نهاية تسلط فرد على فرد أو جماعة على الشعب باسم الدين، وإعلان تشييع دولة الجماعة، والاحتفال بميلاد دولة الشعب.
ما يحدث في مصر يثبت ان جماهير الأمة العربية قادرة على التغيير اذا ما انتصرت على خوف مزدوج، فهي قد حققت انتصارا اوليا على الخوف من أجهزة الأمن وحولته الى علاقة احترام، وها هي اليوم تنتصر في الجزء الآخر من المعركة على ارهاب « سلطة الكهنة » الاخوانية ومن والاهم من الجماعات المستخدمة للدين، فسقوط سلطة الكهنة يعني علو سلطة الشعب الواحد الموحد، ولا بد من اسقاط عروش «الجماعات» لرفع القانون والنظام والعدالة والحرية والديمقراطية على عرش وطن الجميع.