دروس الثورة المصرية -2- عادل عبد الرحمن
إستمرارا لقراءة دروس وعِبَّر الثورة على الصعيد المصري، يمكن تسجيل إسهام ودرس في آن، ومنها:
حادي عشر أسقطت الثورة البعد الطائفي للصراع في الساحة المصرية. رغم ان جماعة الاخوان والقوى السائرة في فلكها، مازالت تحاول إضفاء البعد الطائفي للصراع، من خلال بث الاشاعات عن الخلفية الدينية للرئيس المؤقت عدلي محمود منصور، الذي تروج عنه تابعيته للدين المسيحي. ونسي اولئك المروجون للاشاعة، ان الرئيس منصور عُّين في زمن الرئيس المخلوع مرسي، رئيسا للمحكمة الدستورية. مع ذلك ثورة الثلاثون من يونيو الماضي،سحبت البعد الطائفي من تحت أقدام الاخوان واضرابهم. وبالتالي اعادت الاعتبار للبعدين الوطني والاجتماعي.
ثاني عشر حمت الثورة مكونات الدولة بكل مستوياتها وركائزها العميقة والعادية. وأسقطت مخطط الاخوان المسلمين، الذي سعى لتدمير أعمدة ومبنى الدولة العميقة. وهو ما يعني تطهير الدولة ومؤسساتها واراضيها من كل العناصر والعوامل والاخطار المهددة للسيادة المصرية، وخاصة تطهيرها من الجماعات الجهادية التكفيرية، وقطع يد القوى المساندة لها من قوى (مثل حماس او غيرها) ودول الاقليم وتحديدا إسرائيل ودول الجوار العربية والاسلامية، بالاضافة للولايات المتحدة.
ثالث عشر أكدت على اهمية الاشخاص في صناعة التاريخ، حيث برز دور بعض الشخصيات كحاملة لاهداف الثورة، وإرتقت الى مستويات متميزة في السجل الوطني المصري، منها: الفريق اول عبد الفتاح السيسي، الذي قاد التغيير؛ ومحمود مراد ، منسق حركة "تمرد" ؛ واللواء محمد إبراهيم، وزير الداخلية، الذي كان له دور بارز في حماية الثورة. وهناك آخرون سيحفظ لهم التاريخ المصري موقعا بارزا في سجله الناصع.
على الصعيد العربي ، لا يضيف المرء جديدا لاي مراقب، بان مصر المحروسة شكلت تاريخيا ربانا لشعوب الامة العربية. نجم عن ذلك، معادلة هامة جدا، مفادها، أن نهوض مصر يعني مباشرة وبشكل غير مباشر نهوض لشعوب الامة العربية، والعكس صحيح. لذا يمكن تسجيل الدروس التالية:
اولا نجاح الثورة المصرية شكل بداية خروج شعوب الامة العربية من نفق حكم جماعة الاخوان. وكان إيذانا بتراجع وإضمحلال دور التيارات الاسلامية في المنطقة، وبالتالي إعادة الاعتبار للتيارات الوطنية والقومية واليسارية والليبرالية كحاملة لهموم الشعوب العربية. الامر الذي يفرض على قادة وكوادر تلك التيارات نفض الغبار عن مكانتها ودورها الفكري السياسي والاجتماعي والثقافي من خلال المراجعة الجذرية لبرامج وأليات عملها على الصعد المختلفة.
ثانيا وهو الاهم حررت العالم العربي من خطط ومشاريع الولايات المتحدة المعادية والمتناقضة مع طموحات واهداف شعوب الامة، وخاصة مخطط إعادة تقسيم الدولة الوطنية، وإقامة دول طائفية ومذهبية وإثنية على حسابها (الدولة الوطنية) مما سيفرض على الولايات المتحدة وإسرائيل وحلفائها في المنطقة إعادة النظر بسيناريوهاتها المرسومة للمنطقة. كما وسيفرض على العرب جميعا حكام وشعوب، بإغتنام الفرصة للنهوض بمكونات الدولة الوطنية، ومحاربة النزعات الطائفية والمذهبية والاثنية.
ثالثا ساهمت، وستساهم بانحسار الاقطاب الاقليمية في الدول العربية، وخاصة الدوران التركي والايراني. لان الثورة المصرية أعادت الاعتبار لمكانة مصر القومية والاقليمية والدولية بما فيها الافريقية والاسيوية. وهو ما يعني تراجع تدخل وتأثير تلك الدول غير الايجابية على الشعوب والدول العربية. لا بل ان الثورة المصرية، أربكت حسابات تلك الدول الاقليمية، وستفرض عليها تغيير مناهج واليات عملها في المنطقة العربية.
رابعا الثورة المصرية في ثوبها الجديد، وضعت وستضع قطر في موقعها الصحيح والمناسب، رغم ملياراتها وخطابها السياسي الزئبقي الجديد وادواتها السياسية ومنابرها الاعلامية ورموزها الدينية ، فاقدة الشرعية والاهلية أمثال القرضاوي. وبالتالي ستعود قطر الى حجمها الطبيعي، كدولة صغيرة في المؤسسة العربية، وهو ما سيفرض على جامعة الدول العربية ومؤسساتها إسقاط الدور القطري كلاعب اساسي في الاجندة والسياسات العربية. وإعادة الاعتبار للدور المصري كقائدة للساحة العربية.
خامسا منحت الثورة المصرية بشكل خاص القيادة الفلسطينية فرصة ذهبية في تعزيز دورها التفاوضي مع الولايات المتحدة وإسرائيل، كما منحتها القوة في الاندفاع نحو المصالحة دون إنتظار أو تلكؤ او مراوحة في ذات المكان، مما يفرض عليها نزع فتيل الانقلاب الحمساوي والانقسام المهدد الاول للمشروع الوطني برمته من خلال الاقدام على تشكيل حكومة وحدة وطنية، والاعلان عن الاعداد للانتخابات الرئاسية والتشريعية فورا، دون منح اي قوة وخاصة الانقلابيين فرصة التعطيل او التأجيل، لاسيما وان الظروف باتت مناسبة، والقيادة المصرية الجديدة لن تتردد في دعم خيار القيادة الشرعية. وهو ما يفرض على القيادة الرسمية إشتقاق برنامج واليات عمل جديدة، ومختلفة عن المرحلة التي سبقت ال 30 من يونيو / حزيران 2013.
ما شهدته مصر العربية من تحولات ثورية هامة ستلقي بظلالها على المستويات كافة، ولن يكون بمقدور اي قوة سياسية عربية او اقليمية او دولية غض النظر عما جرى ويجرى على الارض المصرية. وقادم الايام والمستقبل المنظور والمتوسط سيحمل معه تعميق عملية التغيير بمستوياتها المتعددة.
a.a.alrhman@gmail.com