الشهيد الحبيب أبو السكر ... كيف أمارس عملي دونك؟!- عيسى قراقع*
تحت خمس شجرات من الصنوبر والكينيا العاليات، ووري جثمان الشهيد المناضل أحمد أبو السكر في مسقط رأسه قرية ترمسعيا، كان ظله يعانق ظل الشجر الأخضر في زفاف جماهيري مهيب، اختلط التراب الأحمر بالحناء فوق جسده المغادر إلى رحلته الأبدية، وقد اقتربت الشمس قليلا وتدلت فوق القبر، وألقت قطرات من ندى ثم عادت إلى السماء.
رحل أبو السكر فارتبكت مواعيدي كلها، كنا سنذهب إلى عائلة الاسير الشهيد عرفات جرادات في الخليل، حيث حمل أبو السكر مشروعا لتبني ابنه الذي ولد بعد استشهاده، وكنا سنتناول طعام الإفطار في بيت الاسير زياد غنيمات في صوريف، كل شيء قد تغير وتأجل، لم يأت أبو السكر، سقط واقفا في مساء رمضاني مبارك، واعتذر للجميع مبتسما ومودعا وصائما.
منذ سنوات لم يتأخر أبو السكر عن مواعيده والتزامه الإنساني والوطني في زيارات عائلات الأسرى في المحافظات، وكانت طلته على أمهات وأطفال الأسرى تعطيهم الأمل واليقين بحرية وعودة أبنائهم سالمين من السجون ، لم يتعب أو يشكو هذا الرجل السبعيني الشامخ، ولم يتذمر عندما كنا نتأخر إلى بعد منتصف الليل.
لم أر أسيرا محررا صادقا ووفيا لزملائه الأسرى الذين ظلوا خلفه وراء القضبان كابي السكر، لقد أكمل بقية حياته منذ الإفراج عنه قبل عشر سنوات في زيارة بيوتهم والسؤال عنهم، شرب القهوة معهم، تناول الإفطار على موائدهم،فاكتملت حياته داخلا وخارجا، وختم رسالته الوطنية كأنه احد صفات الحلم الفلسطيني وهو يفسر العلاقة بين زمن السجن وبين دورة الشمس وهي تدور حول شبابيك السجون.
أخي الحبيب أبو السكر: بدأنا معا برنامجنا الرمضاني (لن ننساكم) بزيارة عائلات الأسرى في المحافظات، واتفقنا أن يتحول شهر رمضان إلى شهر لدعم قضية الأسرى العادلة، فماذا افعل الآن دونك، كيف أمارس عملي ورقم هاتفك يرن ويرن دون أن تجيب عليه، وكيف أكون في ساحة الصليب الأحمر دون أن أراك تجلس قربي، كل شيء صار فراغا وناقصا الآن .
كيف أمارس عملي دونك، وقد كنت تساعدني على نشر الأزرق السماوي في الهواء لنتغلب على العتمة، وتساعدني في أيقاظ الأمل على باب كل بيت وفي قلب كل أم وطفل، وأنت تزرع سلامك الإنساني المكشوف كرائحة الصيف في ليالي الفرح والأعراس.
كيف أمارس عملي دونك، وقد كنت أر فيك آلاف الأسرى و الأسيرات في تلك المعسكرات والزنازين يصرخون ويصرخون، يقاتلون دفاعا عن كرامتهم وحقهم في الحرية جوعا وصبرا وأملا، يرتفعون وينخفضون، يموتون ويحييون ولكنهم لا يسقطون.
كيف أمارس عملي دونك، وقد حملت في صدرك حكايات وأساطير شهداء سقطوا في حضنك بين الجدران، تسيل ذاكرتك الموجعة في بحات صوتك وأنت تروي البطولة هنا في عسقلان أو نفحة أو بئر السبع ، أسماء و أسماء، كأنك احد الناجين من تلك الحرب المتوحشة، لا تملك إلا صوتك وضوء عينيك المشع، لتذيب الظلام عن جرائم في ذلك الصمت.
أخي الحبيب أبو السكر، هل تذكر عندما زرنا بيت الاسير هزاع السعدي في جنين، رأيت بيتا جديدا معدا لاستقبال أسير يقضي 29 عاما في سجون الاحتلال، ولكن هذا البيت لم يكتمل، لا أثاث فيه، خال من كل شيء، لتعود بعد عدة أيام حاملا كل ما يلزمه من أثاث ومعدات، فقلت لك ... عندما يعود هزاع السعدي من السجن سيجد له بيتا جميلا ورائحة من أبي السكر وخطواته على عتبة البيت.
أخي الحبيب أبو السكر ... هل تذكر عندما زارنا المناضل الجنوب أفريقي احمد قترادة الذي قضى 27 عاما مع نلسون مانديلا في سجون نظام الفصل العنصري، لقد لبست بدلتك التي اعتقلت بها قبل 38 عاما، وعندما عرف قترادة ذلك، وقف غاضبا وخاطب الجميع بلغه الثائرين قائلا: دعوا بلدان العالم تشعر أن إسرائيل لها رائحة نتنة، وأنها عار على الحضارة الإنسانية، ونظر قتراده إلى أبي السكر قائلا: لستم شعبا مهزوما ، انتم شعب مفعم بالإيمان وسوف تنتصرون .
سلام عليك أيها الإنسان الحبيب، أيها التاريخ المستيقظ ولم ينطفئ، طوبى لك، فقد كانت حياتك متجددة ومتميزة وخارقة ، وستظل بعد مماتك أول من أعلن أن الحرية ليست حبرا على ورق، فمنك خرج الشهداء من المذبحة، ومنك انتقل اسم الوطن إلى اسم له الحق في هوية وسيادة واستقلال، وصارت الحرية وعدك الذي لم تخلف لها ميعاد.
أخي الحبيب أبو السكر... أيها المدفون تحت خمس شجرات باسقات جميلات، نم قرير العين هادئا، فلي موعد معك غدا، فليس من عاداتك الغياب، حياتك كلها كانت حضورا ولا زلت على انتظار.
*وزير شؤون الاسرى والمحررين
zaرحل أبو السكر فارتبكت مواعيدي كلها، كنا سنذهب إلى عائلة الاسير الشهيد عرفات جرادات في الخليل، حيث حمل أبو السكر مشروعا لتبني ابنه الذي ولد بعد استشهاده، وكنا سنتناول طعام الإفطار في بيت الاسير زياد غنيمات في صوريف، كل شيء قد تغير وتأجل، لم يأت أبو السكر، سقط واقفا في مساء رمضاني مبارك، واعتذر للجميع مبتسما ومودعا وصائما.
منذ سنوات لم يتأخر أبو السكر عن مواعيده والتزامه الإنساني والوطني في زيارات عائلات الأسرى في المحافظات، وكانت طلته على أمهات وأطفال الأسرى تعطيهم الأمل واليقين بحرية وعودة أبنائهم سالمين من السجون ، لم يتعب أو يشكو هذا الرجل السبعيني الشامخ، ولم يتذمر عندما كنا نتأخر إلى بعد منتصف الليل.
لم أر أسيرا محررا صادقا ووفيا لزملائه الأسرى الذين ظلوا خلفه وراء القضبان كابي السكر، لقد أكمل بقية حياته منذ الإفراج عنه قبل عشر سنوات في زيارة بيوتهم والسؤال عنهم، شرب القهوة معهم، تناول الإفطار على موائدهم،فاكتملت حياته داخلا وخارجا، وختم رسالته الوطنية كأنه احد صفات الحلم الفلسطيني وهو يفسر العلاقة بين زمن السجن وبين دورة الشمس وهي تدور حول شبابيك السجون.
أخي الحبيب أبو السكر: بدأنا معا برنامجنا الرمضاني (لن ننساكم) بزيارة عائلات الأسرى في المحافظات، واتفقنا أن يتحول شهر رمضان إلى شهر لدعم قضية الأسرى العادلة، فماذا افعل الآن دونك، كيف أمارس عملي ورقم هاتفك يرن ويرن دون أن تجيب عليه، وكيف أكون في ساحة الصليب الأحمر دون أن أراك تجلس قربي، كل شيء صار فراغا وناقصا الآن .
كيف أمارس عملي دونك، وقد كنت تساعدني على نشر الأزرق السماوي في الهواء لنتغلب على العتمة، وتساعدني في أيقاظ الأمل على باب كل بيت وفي قلب كل أم وطفل، وأنت تزرع سلامك الإنساني المكشوف كرائحة الصيف في ليالي الفرح والأعراس.
كيف أمارس عملي دونك، وقد كنت أر فيك آلاف الأسرى و الأسيرات في تلك المعسكرات والزنازين يصرخون ويصرخون، يقاتلون دفاعا عن كرامتهم وحقهم في الحرية جوعا وصبرا وأملا، يرتفعون وينخفضون، يموتون ويحييون ولكنهم لا يسقطون.
كيف أمارس عملي دونك، وقد حملت في صدرك حكايات وأساطير شهداء سقطوا في حضنك بين الجدران، تسيل ذاكرتك الموجعة في بحات صوتك وأنت تروي البطولة هنا في عسقلان أو نفحة أو بئر السبع ، أسماء و أسماء، كأنك احد الناجين من تلك الحرب المتوحشة، لا تملك إلا صوتك وضوء عينيك المشع، لتذيب الظلام عن جرائم في ذلك الصمت.
أخي الحبيب أبو السكر، هل تذكر عندما زرنا بيت الاسير هزاع السعدي في جنين، رأيت بيتا جديدا معدا لاستقبال أسير يقضي 29 عاما في سجون الاحتلال، ولكن هذا البيت لم يكتمل، لا أثاث فيه، خال من كل شيء، لتعود بعد عدة أيام حاملا كل ما يلزمه من أثاث ومعدات، فقلت لك ... عندما يعود هزاع السعدي من السجن سيجد له بيتا جميلا ورائحة من أبي السكر وخطواته على عتبة البيت.
أخي الحبيب أبو السكر ... هل تذكر عندما زارنا المناضل الجنوب أفريقي احمد قترادة الذي قضى 27 عاما مع نلسون مانديلا في سجون نظام الفصل العنصري، لقد لبست بدلتك التي اعتقلت بها قبل 38 عاما، وعندما عرف قترادة ذلك، وقف غاضبا وخاطب الجميع بلغه الثائرين قائلا: دعوا بلدان العالم تشعر أن إسرائيل لها رائحة نتنة، وأنها عار على الحضارة الإنسانية، ونظر قتراده إلى أبي السكر قائلا: لستم شعبا مهزوما ، انتم شعب مفعم بالإيمان وسوف تنتصرون .
سلام عليك أيها الإنسان الحبيب، أيها التاريخ المستيقظ ولم ينطفئ، طوبى لك، فقد كانت حياتك متجددة ومتميزة وخارقة ، وستظل بعد مماتك أول من أعلن أن الحرية ليست حبرا على ورق، فمنك خرج الشهداء من المذبحة، ومنك انتقل اسم الوطن إلى اسم له الحق في هوية وسيادة واستقلال، وصارت الحرية وعدك الذي لم تخلف لها ميعاد.
أخي الحبيب أبو السكر... أيها المدفون تحت خمس شجرات باسقات جميلات، نم قرير العين هادئا، فلي موعد معك غدا، فليس من عاداتك الغياب، حياتك كلها كانت حضورا ولا زلت على انتظار.
*وزير شؤون الاسرى والمحررين