مفاضلات "حماس" في هذا الخضم- عدلي صادق
نفهم أن تتأسى "حماس" على ما أصاب "الجماعة" في مصر، فهذا أمر طبيعي ومفروغ منه. لكن العُصاب الذي أصابها في غزة، وعودتها الى المماحكة والتضييق على من يخالفونها الرأي؛ جعلها تمضي في الاتجاه المعاكس، خلافاً لما تقتضيه السياسة وتقتضيه الحكمة. ونأمل أن لا يكون صحيحاً، ما يرشح عن مد "حماس" الجسور من جديد مع إيران، لأن هذه وجهة معطوفة على وجهتها الأولى المعاكسة في الداخل، وفيها غدر مؤكد، بحليفين إخوانييْن، هما الحلقتان المصرية والسورية من المنظومة الدولية للجماعة.
فإن كان صحيحاً أن "حماس" استدارت الى تلك الوجهة؛ نكون بصدد حال ارتباك وفقدان للبصر والبصيرة. لذا ينبغي أن ندقق قبل أن نجزم بأنها قد استدارت أصلا!
ما يهمنا هو الوضع الداخلي، وحسناً يفعل الحمساويون، إن اقتنعوا سريعاً بأن موجة "الإخوان" هبطت من عليائها الى ما لا صعود منه. فإن كانت لها رسالة "دعوية" حقاً، فإن معيار قياس المهارة والذكاء، يكون في قدرتها على تأمين استمرار وجودها في المجتمع، بخطاب ومنطق آخرين. لقد جربت كل شيء. حكمت وسقطت في موازين الناس وفي وعيهم، وما عليها إلا أن تستبدل خيولها ومنطقها، وأن تتخلى عن عنادها واستئثارها، وعن لغتها التخوينية الممجوجة. ففي غزة بدا كل "انتصار" لها، في ساحة المواجهة العسكرية؛ وَهْماً محضاً، مختلطاً بالاستغاثة لوقف آلة الموت العدواني الإسرائيلي عن القتل والتدمير، على النحو الذي يسألها عنه التاريخ ويسألها الواقع!
ما أصاب "حماس" من عُصاب بعد إقصاء مرسي في مصر، يُضاف تلقائياً الى تاريخ الجماعات وتاريخ الأفكار. ومن ينجح في الاستفادة من التجارب، هو ذاك الذي يقف ويتأمل ويراجع نفسه. أما اللغة المملة، التي تجعل الرافضين للذهاب الى المفاوضات خونة، مهما امتنعوا وعاندوا أمريكا والاحتلال، ثم يتناسى الصوت التخويني نفسه، أن الرافضين خائنون مسبقاً، فينعتهم بأنهم يخونون الآن لأنهم يذهبون؛ فهذه كلها تُرهات أشبه بكلام الأطفال في شجاراتهم. كان ينبغي الإقلاع عن هكذا لغة أو على الأقل تنقيحها، كأن يقال ـ مثلاً ـ إن وجهة نظرنا ترى أن الذاهبين مخطئون لهذه الأسباب أو تلك!
طبائع السياسة والحكم، في منطقتنا، جعلت كل متشبث بالسلطة، يفتش له عن أمثولة لكي تسند حكمه وتغطي عيوبه. الآن استنفدت الأمور سياقاتها، ليس لصالح طرف أو فصيل، وإنما لصالح مشروع وطني ديموقراطي، يستعيد مؤسساته، ويكون فيه للناس الحق في الاختيار، ثم وضع من يختارهم الشعب على المحك، وأن يمتلك المجتمع إرادته، ليكون هو الذي يقرر أبقاءهم أم استبعادهم!
المفاضلة التي يتوجب على "حماس" أن تعتمدها اليوم، ليست هي المفاضلة الفاقدة للمعنى وللدلالة، عندما تقول إن على قيادة السلطة ان تختار بين المصالحة وإسرائيل، أو بين المصالحة والمفاوضات، أو بين المقاومة والتسوية. فمثل هذه المفاضلات تقوم على فرضيات ظنية أو على أوهام، وتتشكل من مفردات الخصومة. فإسرائيل لا ولم ولن تكون حليفاً لفلسطيني، وإنما هي الطرف الآخر في صراع ما زال قائماً. والمفاوضات ليست نقيض المصالحة، طالما ان الطرف الفلسطيني يسعى الى الدولة المستقلة السيّدة على أرضها المحتلة عام 67 والتي هي هدف متفق عليه، بين القوى الفلسطينية. ولا ينكر أحد أن المقاومة حق من حيث المبدأ، وهي ليست نقيض المصالحة، ثم إن أسباب الاستنكاف عنها في الضفة، هي ذاتها أسباب الاستنكاف عنها في غزة، على ما أثبتته التجارب والأيام!
المفاضلة الواجبة والمحتمة، هي بين تمسك بالسلطة في غزة يكسر ظهر الوحدة والسياسة الفلسطينيتين، والذهاب من جديد الى الوحدة والمسار الديمقراطي. والمفاضلة الأوجب، هي بين الاستئثار ومصادرة إرادة الناس، فيما نحن ـ كما يُفترض ـ مشروع للحرية؛ وإطلاق الإرادة الشعبية وإنفاذ مبدأ التداول، تكليفاً من جديد، لأية قوة، أو استبعاداً لها!
هذا هو ما باتت "حماس" بصدده. ولا فائدة لها من النزق الأمني أو من مد جسور الوهم مع الأبعدين، أو تطيير التصنيفات الشائنة، أو الرهان على "رابعة" أو محاولة الإسهام في ترميم الصدوع "الإخوان" والانصراف عن ترميم الصدع الفلسطيني!
adlishaban@hotmail.com