الازمة والحل من منظور الارشاد- عادل عبد الرحمن
دخلت حركة الاخوان المسلمون في أزمة عضوية في اعقاب ثورة ال 30 من يونيو الماضي المصرية، لا تقل خطورة عن الازمة ، التي اعقبت محاولة إغتيال الزعيم القومي جمال عبد الناصر عام 1954، نجم عنها عزل الرئيس الاخواني الدكتور محمد مرسي، ووضعه تحت الاقامة الجبرية، ولاحقا إصدار أمر قضائي باعتقاله، وإعتقال عدد من قيادات الاخوان، وملاحقة عدد آخر من القيادات الاخوانية والمتواطئة معها بما فيها المرشد محمد بديع، وتداعيات هذا التطور العاصف على مستقبل تنظيم جماعة الاخوان ليس في مصر فحسب، بل في العديد من دول المنطقة العربية.
من السابق لاوانه الجزم والتطير باستخلاص إستنتاجات إطلاقية قاطعة حول مستقبل التنظيم الدولي للاخوان، رغم ما حصل حتى الان، وما سيحدث في قادم الايام من تطورات، توحي بإمكانية لجوء النظام المصري الجديد إلى "حذر" الجماعة، وحرمانها من المشاركة السياسية، نتاج السياسات والممارسات الارهابية، التي إنتهجتها في الرد على موقف الشعب المصري الرافض لسلطة المرشد ومرسي، المهددة للاستقرار والامن في جمهورية مصر العربية.
وكون الحدث / الثورة/ عظيم بتحولاته النوعية في حياة مصر المحروسة، وبالمقابل بآثاره السلبية لا بل الخطيرة على جماعة الاخوان، تداعى التنظيم الدولي للاخوان لاجتماع طارىء في استنبول ما بين 11و 14/تموز الحالي، لدراسة الموقف والبحث عن حلول او طرق لمعالجة الازمة، والتقليل من حجم الخسائر، التي يمكن ان تصيب باقي فروع الحركة في العالم العربي، وايضا لوضع استراتيجية تكتيكية واستراتيجية للهجوم المضاد على القيادة المصرية الجديدة، والتشهير برموزها وخاصة الفريق اول عبد الفتاح السيسي. وكان من ابرز التوجهات، التي اعتمدها مكتب الارؤشاد الدولي:
اولا الاقرار بان ما حدث في مصر فاجأهم جميعا، مما ادى الى قلب الامور رأساً على عقب. ونقل التنظيم من موقع الحاكم الى موقع المعارضة بصورة دراماتيكية، أدى إلى إنفضاض قطاعات واسعة من الشعب عنه، لا بل الى إشعال ثورة شعبية غير مسبوقة في التاريخ من زاوية المشاركة الشعبية وقطاعات المجتمع كله.
ثانيا الاعتراف بالهزيمة، رغم مواصلة الاعتصام في "رابعة العدوية" و"النهضة" من قبل انصار الاخوان. الهدف منه، تقليص حجم الخسائر الناتجة عن ثورة ثلاثين من يونيو الماضي، والسعي لايجاد مساومة لابعاد شبح الاعتقال والحظرعن الجماعة وقادة الاخوان وانصارهم. أضف ألى أن الاعتصامات والاحتجاجات والانتهاكات الارهابية، التي نفذها بلطجية الاخوان ومن لف لفهم في عموم الاراضي المصرية، تهدف للعب دور الضاغط على الحكم الجديد، وايضا للتشهير به، وابرازه كفريق "استبدادي" ولاستدرار عطف ودعم الغرب عموما واميركا خصوصا.
ثالثا الخشية من التداعيات المصرية على دول الجوار خاصة تونس وليبيا واقليم غزة الفلسطيني، وعلى عموم التنظيم في الوطن العربي ودول الاقليم وخاصة تركيا. والعمل على مجابهة التحديات الناجمة عن ذلك، ومن ابرز ما خلص اليه إجتماع مكتب الارشاد الدولي، كان:
1- حماية وجود فروع الحركة من خلال إنتهاج سياسات مغايرة، تحد من الفئوية الصارخة، التبي عابتها القوى السياسية المختلفة على جماعة الاخوان في التجربة المصري والفلسطينية ،وفتح الباب امام نسج التحالفات مع القوى السلفية، والقوى الهامشية، التي تبحث عن دور ودعم مالي، والقوى غير المستفيدة من التطورات في البلدان المختلفة.
2- حماية قيادات التنظيم في كل الفروع وخاصة مصر. وإبعاد شبح الاعتقال، والعمل بكل الوسائل الممكنة للافراج عن الرئيس الدكتور مرسي. والحرص على ضمان وجود فاعل لحزب الجماعة "الحرية والعدالة " في مصر و"النهضة " في تونس .. الخ
3- التشهير بنظام الحكم المصري الجديد وخاصة الفريق اول عبد الفتاح السيسي. الذي بدأت حملة تشهير إخوانية غير مسبوقة عليه، واتهامه بانه متواطىء مع دولة العدوان والاحتلال الاسرئيلية. ليس هذا فحسب، بل ان بعض المنابر، إتهمت الفريق، بإنه من عائلة يهودية مغربية، واشارت تلك المنابر الى إتهام القائد العام للقوات المسلحة المصرية، بانه مندس لصالح تنفيذ مخطط إسرائيلي/ اميركي.
4- رصد كل الرموز والاسماء المعارضة للاخوان في عموم دول المنطقة السياسية والاعلامية والثقافية والنقابية، وذلك اولا لاخضاعها للملاحقة والتهديد من قبل الجماعة؛ وثانيا تصفية من يمكن تصفيته كما حصل قبل ايام مع الناشط التونسي محمد البراهمي وغيره من القيادات الوطنية والقومية واليسارية؛ وثالثا لاسكات اصواتهم بطريقة ذكية ودون الاعلان عن ذلك، بحيث تعفى جماعة الاخوان من اية تبعات سياسية او قضائية او اجتماعية؛ وإقحام السلفيين في الاعمال الارهابية ضد القيادات المناهضة للاخوان، لتوريطهم مع الجماعة من خلال الايحاء لهم، بان عودة النظام الوطني او القومي سيشكل خطرا على مستقبل التيارات الاسلاموية.
5- تشكيل لجنة طوارىء برئاسة راشد الغنوشي لمتابعة تداعيات الثورة المصرية على فروع الحركة في كل من ليبيا وتونس واقليم غزة والسودان، بهدف حمايتها، ووضع رؤى جديدة في ادارة العمل في ساحاتها.
6- محاولة كسب الاقليات في العالم وخاصة الاقليات الاسلامية وأبرزها الاكراد في تركيا وسوريا والعراق وايران، لدعم جهود التنظيم في معاركه الراهنة واللاحقة ضد معارضي التنظيم الدولي للاخوان.
7- الحفاظ على العلاقة مع الولايات المتحدة الاميركية. والابتعاد عن اية اعمال إستفزازية تبعد الاميركان عن الاخوان. وابراز دور جماعة الاخوان "المعتدل" ، وشن هجوم على القوى المتطرفة، فضلا عن مهاجمة النظام السياسي الجديد، واتهامه باقظع والعن الاتهامات من خلال التزوير والخداع والتضليل والمراوغة وقلب الحقائق.
هذه بعض الخطوات، التي اعتمدها مكتب الارشاد الدولي في استنبول كشكل من اشكال درء المخاطر الناجمة عن الثورة المصرية، وللانقضاض على القوى المعارضة بشكل هادىء ودون ضجيج، ومن خلال القوى الاخرى وخاصة السلفيين الجهاديين واي قوة تقبل لعب دور التابع لحركة الاخوان المسلمين. هذا المخطط يملي على القوى الوطنية في مصر وتونس وليبيا وفلسطين والسودان وسوريا والخليج التصدي الحازم والقوي لجماعة الاخوان، وفضح مراميهم واهدافهم الخبيثة والتخريبية المعادية للوطنيات العربية وللقومية ككل ولنهضة المجتمعات العربية وتطورها الديمقراطي. دون مواجهة الاخوان، ومحاصرتهم، ستبقى اليد الطولى لهم في الساحات العربية والاقليمية .
a.a.alrhman@gmail.com