العيد يا أبا الوليد- د. صبري صيدم
كتبت قبل يومين وفي الذكرى الثانية والأربعين لرحيل ركنين من أركان المقاومة الفلسطينية المسلحة والثورة المعاصرة والرعيل المؤسس للكفاح المسلح، مقالاً بعنوان’ نموت واقفين أو نركع؟’ استحضرت فيه مقولتين شهيرتين ارتبطتا بهذين الراحلين.
الأولى لأبو علي إياد: ‘نموت واقفين ولن نركع′ والثانية لوالدي ممدوح صيدم (أبو صبري): ‘ كلما ازداد تلاحم سواعدنا أصبحت فلسطين أقرب’. ومع هذه المقالة حاولت بتجرد أن أقول بأننا سننكسر وسنركع إذا ما استمر الانقسام الفلسطيني على حاله، وأن تشتت سواعدنا اليوم سيجعل فلسطين أبعد.
وفي هذا المقال قلت: ‘صحيح أننا وبعد هذا الزمن الطويل من الصراع كسبنا معركة الهوية، فالكبار ماتوا والصغار لم ينسوا. لكننا وبعيدا عن الشعارات والأمنيات وبعد أربعة عقود على رحيل الشهيدين لم نكسب معركة الجغرافيا حتى تاريخه بعد، ولو استمر انقسامنا السياسي والفصائلي وتبعاته الجغرافية فإن معارك التاريخ والجغرافية والهوية حتماً ستنتكس اشد انتكاسة’. وأن علينا أن نفكر بطرق خلاقة لمواجهة المستقبل: ‘خاصة وأننا أمام حقيقة ماثلة بأنه ومع انقضاء الزمن ينحسر الوطن ويكبر الاحتلال في وضع أشبه ما يكون بالقتل التدريجي طويل الأمد لمعالم الوطن. وكأن المحتل وبعد قناعته بأنه لن يستطع اغتيال الفلسطينيين وهويتهم قرر أن يغتال الأرض التي تحملهم بصورة ممنهجة لا تكلفه أية مآس إنسانية أو إضرار بصورته الإعلامية بحجم الضرر الذي كان سينتج عن قتل النفس أو ترحيلها، وعليه وبعد أن تنتهي الجغرافية سيسأل المحتل العالم عن ماهية الأرض التي يتحدث عنها الفلسطينيون.
سيقول لهذا العالم ببساطة: عن أي ارض تتحدثون؟’.
لذا وجب الانتقال نحو مراجعة أمورنا في ظل المتغيرات الإقليمية واختلاف التحالفات وظهور تحالفات جديدة وخارطة مضطربة للمنطقة تستوجب تبني سياسة ‘يا وحدنا’ في مراجعة ذاتنا. ولا بأس في أن نؤّمن للبعض سلم الهبوط في واحة الوفاق الفلسطيني الفلسطيني.
فما يحدث في مصر الكنانة ودول المحيط وعواصم التغيير والاضطراب اليوم يؤلمنا جميعاً، لكننا نحتاج إلى التفكير المباشر في التخلص من شوائب الأيام وما راكمته من تمزق وتراجع. وهنا أًوجه كلامي لخالد مشعل ‘أبو الوليد’ وهو صاحب المقولة بأن ‘صفحة الانقسام قد طويت إلى غير رجعة’ فهو الذي يستطيع أن يساهم في ضبط إيقاع النقاشات داخل حماس، خاصة حول القرار وزمنه وتوقيته.
إن توقيت المصالحة الآن لم يكن أكثر مواءمة مما هو عليه اليوم، كما أن الاستفادة من الحال الحالية فرصة ربما لا تتكرر.
فالزمن ليس للوثائق والأوراق والسعي المتواصل للإدانات، وإنما الزمن هو الأنسب للعيد الذي طال انتظار الفلسطينيين له. عيد لا تذهب فيه ريحنا وإنما نعيد ربط الوطن بالوطن والوريد بالوريد.
نعم لا بأس بأن يعيد البعض حساباته حتى نحفظ سير الراحلين وإرثهم وحتى نموت واقفين ولا نركع وحتى تصبح فلسطين أقرب بتلاحم سواعدنا!
التاريخ سيخلد أعياداً قليلة للفلسطينيين وإنهاء نكبتهم الثانية التي سببها الانقسام ربما يكون أحد أعيادهم .. فهل يعود عيدهم بحال يحفظ ماء وجههم ويُحزن خصمهم؟ الجواب سيحمله قادم الأيام!