سقوط نظرية صفر التركية - عادل عبد الرحمن
الترويكا التركية : أردوغان اوغلو وغل، التي تمكنت بفضل إعتماد إستراتيجية وتكتيك مغايرة لاستراتيجية أربكان، الزعيم الاسلامي التركي السابق، رئيس حزب الفضيلة، من تحقيق إنتصارات داخلية تركية وخارجية على مستوى الاقليم وشبة جزيرة البلقان واممية، إستنادا إلى إستراتيجية "تصفير الصراعات", والانفتاح على القوى والدول بمشاربها واتجاهاتها المختلفة.
قادة حزب التنمية والعدالة التركي: رجب طيب اردوغان وعبدالله غل واحمد اوغلو، المنشقين عن المعلم اربكان، فازوا بالانتخابات عام 2002، وواصلوا مسيرة الانجازات لثلاث دورات إنتخابية، مما اتاح لهم السيطرة جيدا على مقاليد الامور في تركيا نتيجة السيطرة على ركائز الدولة العميقة (الجيش والقضاء ) او على الاقل دس الاسافين في ما بين اركان تلك المؤسسات، مما سمح للثلاثي الاسلاموي ضبط إيقاع عملها. وبفضل المناورات السياسية مع دول الاقليم والعالم، المرتكزة على إستراتيجية "التصفير"، تمكنت القيادة التركية بقيادة اردوغان من تحقيق تطور إقتصادي مهم، حيث إنتعش الاقتصاد، وانخفضت نسبة البطالة والعجز في الميزان التجاري والمدفوعات، لانها إستطاعت جلب الاستثمارات العربية والاسلامية والدولية، ورسمت صورة وردية لتركيا الاردوغانية.
لكن تطور الاحداث في المنطقة نتاج الثورات العربية وتداعياتها وارتداتداتها المتواصلة حتى الان، وخلع القيادة التركية قفازها الابيض، ووضع يديها في وحول دول الاقليم، وإنكشاف مآربها الشوفينية، وإماطة اللثام عن وجهها المتلون في العلاقة مع إسرائيل، بعد أن لعبت دور المتناقض مع حكومة نتنياهو في اعقاب تعرضها لاسطول الحرية نهاية مايو 2010 في عرض البحر المتوسط، في الوقت، الذي واصلت العلاقات الامنية والاقتصادية والسياحية ، التي مازال يقودها ابن اردوغان نفسه، وعلى الصعيد الداخلي، أخذت القيادة التركية تكشف عن وجهها الاسلاموي تدريجيا بدءا من منع المساحيق للمضيفات على شركة الطيرن التركية ، ومنع بيع المشروبات الروحية في ساعات وامكاكن معينة، وقبل ذلك السماح تعميم الحجاب على النساء من خلال فتح ابواب العمل والمؤسسات المختلفة امامهن، واعتماد سياسة التوظيف المنحازة لانصار حزب التنمية والعدالة، كل هذه العوامل، ساهمت باسقاط نظرية "التصفير" ، فعلي الصعيد الداخلي شكلت خطوة حكومة طيب رجب اردوغان بتغيير معالم ميدان تقسيم في اسطنبول، دافعا قويا لنزول القوى المعارضة لحكم الثلاثي اردوغان وغل واوغلو، ومازالت المظاهرات والاعتصامات في ميدان تقسيم والمدن التكرية الاخرى متواصلة، رغم محاولة الالتفاف على رفض الشارع التركي لحكم الحزب الاخواني، من خلال تراجعه عن مشروع تغيير الميدان.
وعلى الصعيد الخارجي منذ تمادت الحكومة التركية بالتعاون مع قطر وجماعة الاخوان المسلمين بالتدخل المباشر في الشأن الداخلي السوري التونسي والليبي واليمني والمصري، وقبل ذلك الايراني واللبناني وطبعا الفلسطيني بتوجيه وتنسيق مع الولايات المتحدة وإسرائيل، سقط القناع التركي، وتهاوت آخر معالم نظرية "التصفير". ولم تعد تنطلي السياسة التركية على احد من شعوب المنطقة والعالم. لا بل ان تركيا ، التي لعبت تاريخيا دورا داعما ومساندا لدولة التطهير العرقي الاسرائيلية منذ نشوئها إلى يوم الدنيا هذا، رغم ما حاولت إدعائه بانها مؤيدة وداعمة لحقوق العرب الفلسطينيين، لابل ان اردوغان اعلن مؤخرا ، انه سيزور محافظات الجنوب (قطاع غزة) الخاضعة لسيطرة جماعة الاخوان المسلمين في فلسطين (حركة حماس) تحت ذريعة رفع الحصار، والحقيقة دعم الانقلاب الحمساوي، ومواصلة تنفيذ المشروع التآمري على القضية الفلسطينية، المتمثل باقامة "دولة غزة الكبرى" بالتنسيق مع مكتب الارشاد في المقطم والرئيس الاخواني المعزول مرسي، والولايات المتحدة وإسرائيل ، مع انه يعلم حقيقة موقف الرئيس محمود عباس والقيادة الشرعية من ان زيارة اي مسؤل عربي او مسلم او اممي ليس مرحب بها، لانها تشكل دعما للانقلاب والمخطط الاخواني، لكنه لم يعر ذلك إهتماما، وبقي مصرٍ على الزيارة، التي حالت دونها حتى الان بعض الاعتبارات، منها عدم سماح الولايات المتحدة لاتمام الزيارة، وايضا بفضل التطورات الجارية في مصر بعد ثورة الثلاثين من يونيو 2013.
وما عمق سقوط نظرية احمد اوغلو "التصفير" الثورة المصرية الثانية بقيادة الشعب والجيش، التي كشفت الوجه القبيح للنظام الاردوغاني حين رفض الاعتراف بشرعية القيادة السياسية الجديدة، وناصبها العداء، وانضم بشكل مفتعل ومسرحي تافه الى جوقة الاخوان المسلمين وقطر والغرب عموما (الذي بدأ يتراجع مؤخرا عن موقفه الاولي ، دون ان يعني ذلك التراجع عن هدف الغرب عموما والاميركي خصوصا من الثورة المصرية) ، مما إستدعى من الدول العربية الخليجية وخاصة الامارات العربية المتحدة والعربية السعودية من سحب ارصدتها ومشاريعها من تركيا، مما فاقم من الازمة التركية.
تعرت تماما القيادة الاردوغانية، وسقطت في شر مناوراتها وتكتيكاتها البهلوانية. لان من يريد تصفير المشاكل مع العالم عليه ان يقرن القول بالفعل، وليس فقط رفع شعار جميل، لا اساس له في الواقع. وبالتالي النتيجة المنطقية للتطورات، لا تقتصر عند حدود سقوط نظرية "التصفير" الكاذبة، بل أن مصير النظام الاردوغاني تتجه نحو الافول بسبب تعاظم إفلاسه على الصعيدين الداخلي والخارجي.