سوريا وجنيف 2 هل من أمل؟- رفيق الأحمد*
(1)
تواجه سوريا منذ أواسط آذار 2011م أزمة مأساوية هي الأكبر والأفدح في تاريخها منذ الغزو المغولي .
أدّت هذه الأزمة إلى إشكالات وصعوبات مستعصية وتدميرية، لم تكن في حسبان غالبية المحللين السياسيين، والفاعلين في الحياة السياسية السورية، من نظام ومعارضة.
ويبدو أنّ حالة ما سُمّي بالربيع العربي، الذي انطلق من تونس وامتدّ عبر مصر وليبيا واليمن، والمواقف الدولية التي ساعدتها، قد أثّرت بحالة الانتفاضة السورية بدءاً من حوران وامتدادا إلى غالبية المناطق السورية الأخرى، مندفعة بمواقف عربية ودولية، أيّدت مطامحها المشروعة في الحرية والديمقراطية والعدالة، معلنة موقفها بانتهاء شرعية النظام الذي يضرب شعبه، وضرورة رحيله.
كما يبدو أنّ النظام الذي مرّ بتجارب سابقة في مواجهة انتفاضات شعبية، عمّت غالبية المناطق السورية في الثمانينات من القرن الماضي، والتي تجلّت بأحداث حماة ومجزرة تدمر، قد وضع حساباته على أساس انتصاراته السابقة في استعادة حكمه واستقراره، ممّا أعطاه قوّة ودورا كبيرا في المنطقة، ولاسيما في لبنان، مستفيدا من حالة الهدنة السورية الإسرائيلية التي تم ترتيبها في أعقاب حرب تشرين 1973م نتيجة مباحثات هنري كيسنجر وحافظ الأسد، والتي توصّلت إلى اتفاقية فكّ الاشتباك وانسحاب جزئي إسرائيلي ووضع قوات مراقبين دوليين على الجانب السوري، لا تزال موجودة حتى تاريخه، يضاف إلى ذلك ما صنعه من اتفاقيات إقليمية مع إيران، وتشكيلات عسكرية في الحرس الجمهوري من لون خاص في التشكيلة المجتمعية السورية. مع الاشارة الى أنّ أغلب السوريين كانوا يعتقدون ان د.بشار الأسد لن يلجأ إلى العنف في معالجة الانتفاضة التي بدأت سلمية، بحكم تكوينه الشبابي وعلاقاته العربية والدولية والبرامج التي سبق أعلنها(التطوير والتحديث) والتي أعترف بتقصيره في تنفيذها.
كما نستطيع أن نتبيّن من عدم وجود قيادة موحّدة للانتفاضة وتوزّع نشاطاتها دون تنسيق نتيجة طبيعة الحكم وهيمنته الأمنية في ظل الأحكام العرفية بغطاء المقاومة والممانعة، ومع غياب خطة واضحة مستندة إلى تحليل علمي دقيق تحسب فيه موازين القوى المؤثّرة لصالحها أو لصالح النظام، أو بقاياه. وتحالفاته الإقليمية والدولية إضافة للموقف الإسرائيلي من التغيّرات التي يمكن أن تشهدها سورية على ضوء الهدنة السورية الإسرائيلية، وموقع سورية الاستراتيجي، وموقف مجتمعها العدائي من إسرائيل بحكم تعاطفه مع الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة.
وأمام الحالة المأساوية التي تمر بها سورية، والتدمير الحاصل في البنية الاقتصادية، والاجتماعية، والنزوح الكبير إلى دول الجوار و إشكالاته الكبيرة. إضافة إلى التداخلات العربية والدولية في مسيرة الأحداث، مع حاجة النظام والمنتفضين وسكان سورية عموما لمساعدات عسكريةِ واقتصاديةٍ وإغاثيةٍ حياتية. ترافقت مع تدخلات سياسية أخذت ترسم مطالبها على الواقع السوري بطرفيه، وحضورها،المغاير لطبيعة السوريين قي سماحتهم وتهذيبهم الدبلوماسي وانفتاحهم ووطنيتهم، وذلك خارج مفهوم السيادة، من جهة، وضمن التدخل بالشؤون الداخلية، من جهة أخرى. فإن حلاً قريبا يبدو ضئيلاً جدا، وهو ما أشار إليه مؤخراً رئيس وزراء بريطانيا (كاميرون) مستبعدا انعقاد جنيف 2 في وقت قريب، علما أنّ جنيف 2 بقي الشعار الدولي المطروح لحل الأزمة السورية المتفاقمة بحكم الاتفاق الدولي الأولي على حلِّ سياسي وليس حلاً عسكرياً. وهو ما فشلت قوتا الثورة والنظام على تحقيقه.
إلاّ أنّ مثل هذا الحل متروك كما تشير المواقف الدولية والتصريحات المتناقضة بمتغيراتها وتفسيراتها والتراجع الدبلوماسي عنها، إلى حدوث الانهيار الكامل لقوى الطرفين المتقابلين وللبنية السورية المادية والمجتمعية، بحيث يصيب الإنهاك الحالة كلها، ممّا يتيح فرض حلٍ سياسي تتفق عليه روسيا وأمريكا، ومعهما القوى الدولية الأخرى، ويمكن لخطوط هذا الحل أن تتضمن في خطوطها الرئيسية تشكيل حكومة انتقالية بكامل الصلاحيات، مع استمرار بشار الأسد رئيسا للجمهورية، بروتوكوليا، حتى انتهاء ولايته في 2014م، وإجراء انتخابات وفق دستور جديد بإشراف دولي، وفق البند السابع، يحقق انتقالاً سلميا للسلطة في سوريا الجديدة الخارجة من لهيب النار، تضمّد جراحها، وتتذكر وتبكي شهداءها، على أن تكون بدون قوة أو دور عربي، أو مطامح قومية، بحيث يعيش السوريون حالة استشفاء ونقاهة من نتائج أزمتهم المدمّرة، لفترة لا يعلم مداها و منعكساتها وآثارها المادية والاجتماعية، إلاّ الله عزّ وجل .
وللحديث بقية إن شاء الله, مغموسا بروح الأمل.
*كاتب سوري