من الجماعات المغلقة إلى الاتجاهات المفتوحة!- يحيى رباح
المأزق الوجودي، مأزق الحياة او الموت، الذي تعاني منه جماعات الإسلام السياسي، وجوهرها جماعة الإخوان المسلمين، سواء في تفريعاتها ذات الأسماء المتعددة، أو هياكلها على المستوى العالمي، أنها في الأساس جماعات مغلقة، تنكفئ على منظور أيدولوجي ضيق رغم الرحابة المطلقة ومساحة الاجتهاد التي لا تتوقف كما هي الحياة والتاريخ، ووقوعها تحت سطوة «السمع والطاعة» التي شيأت الفرد إلى حد اعتباره لا شيء بذاته!!!
و بناء موقف معاد مسبق من الآخر حتى ولو كان مسلماً، إلى حد كراهيته، وتكفيره، واستئصاله!!!
واستمرار حياة هذه الجماعات بوجهين «النفاق المؤدلج» وجه تتعامل به في الكهف، تحت الأرض، في العمل السري، ووجه تتعامل به مع من هو أقوى، مثل سلطة المجتمع، أو سلطة الدولة، أو حتى سلطة العدو الخارجي مثل الاحتلال الأجنبي وغيره.
ورغم أن بوابة الدين واسعة للجميع، وعالية لكل إنسان حاكماً أو محكوماً، غنياً أو فقيراً، قوياً أو ضعيفاً!!!
ورغم أن نداء الإسلام عميق جداً، بحكم أنه الأقرب إلى الفطرة الإنسانية، إلا أن جماعات الإسلام السياسي تواجه دائماً منذ نشأت في العصر الحديث، قبل خمس وثمانين سنة، لحظات الاختناق والمحنة، وسرعان ما تكتشف تلك الجماعات من خلال الاختبارات الكبرى، أنها طردت من القلب الى الهامش ومن الداخل الى الخارج ومن غطاء الحلال إلى انكشاف الحرام.
هذه الأيام، تواجه جماعات الإسلام السياسي في المنبع، في مصر، وفي المحيط القريب في تونس وفي سوريا وفي ليبيا وفي فلسطين ومواقع أخرى نفس المأزق الوجودي، نفس المحنة، برغم أنها كانت قد حصنت نفسها بكل ما يلزم، أموال طائلة بلا حدود، وتحالفات سرية مع أقوى الأقوياء في العالم ومع ألد الأعداء مثل إسرائيل!!!
وأنها استخدمت بكثافة كل وسائل العصر في الإعلام وتكنولوجيا الإتصال وحملات العلاقات العامة!!!
وأتيح لها في مصر وفي تونس أن تقفز إلى السلطة بكاملها تقريباً!!!
ولكنها سرعان ما انكفأت إلى المحنة، إلى السقوط، لماذا؟؟؟
السبب – كما أعتقد – أنها ظلت في جوهرها الأصلي جماعات مغلقة، منطلقة من مواقف نهائية مسبقة من كراهية مجتمعاتها وشعوبها بل وأمتها أيضاً، متشبثة بدكتاتورية السمع والطاعة المطلقة التي تشيئ الأفراد وتقتل عبقرية الاكتشاف، وتتصادم بقسوة مع جدلية التاريخ.
ولعنا نلاحظ أن هذا المأزق الوجودي الذي تعاني منه جماعات الإسلام السياسي، ليس ناتجاً عن مواجهة الأحزاب والحركات والجماعات الأخرى، فهذه أيضاً رغم الأيدولوجيا المغايرة، تنطلق من قواعد مغلقة، من أنماط في العلاقات والأفكار شبه مغلقة، وبالتالي فإنها لم تستطع أن تكون الخصم الحقيقي للجماعات الإسلامية، بدليل أن تلك الأحزاب والحركات والجماعات الأخرى، كانت موجودة دائماً، وكانت على صدام مع أنظمة الحكم الخائرة، وهي التي بشرت بالثورة، ولكن جماعات الإسلام السياسي سرعان ما نحتها جانباً وقفزت إلى السلطة بشهية وتوحش فاقت كل الحدود، ولو ظل الحال على نفس المنوال، لتمكنت جماعات الإسلام السياسي في بضع سنوات قادمة من هدم كل أركان الدولة وكل ثوابت المجتمعات، وفرض نمط جديد من الحياة المعتمة التي تعيش في القرن الحادي والعشرين بأدوات وأفكار وآليات القرن الثالث الهجري!!!
الذي تصدى فعليا لجماعات الاسلام السياسي، وحاصرها الى حد السقوط، واجبرها على الانكشاف الى حد التعرية الكاملة، هو خصم جديد، مجموعات مفتوحة وليست مغلقة، آليات تتفاعل مع الواقع لحظة بلحظة في افق مفتوح وليس نفس الآليات المغلقة المعتمة الجامدة التي تعجز عن رؤية الواقع.
هذا هو بالفعل دور الاعلام المشحون بكل آليات العصر الراهن، وهذا هو ايقاع الحركات الشبابية المفتوحة على التطور اليومي والقراءة المستمرة لتجليات الواقع وتفاعلاته، لدرجة ان هذه الحركات الشبابية المفتوحة، وهذا الاعلام الفتي الذي يعيش في قلب اللحظة الراهنة لكي يفجرها الى اقصى مدى بالمعرفة والوعي والمحاولة، قد اعاد اكتشاف الجماعة الوطنية، وجعل هذه الجماعة الوطنية –الشعب-تكتشف ما تملكه من عناصر قوة او قدرة على الاستمرار، وقدرته على استدعاء المخزون والميراث الحضاري للامة، هذا الخصم الجديد النوعي المفتوح على الافق الواسع هو ما تواجهه جماعات الاسلام السياسي، حيث تحولت الى مجموعات محاطة بتراكم من الخوف المسبق، الموروث، حتى اذا انكشفت على حقيقتها اتضح انها ليست سوى كائنات بائسة تنفغص تحت اقدام الجموع الجامعة !!!
توقعوا المزيد، الشعوب اكتشفت نفسها، انفتحت على ذاتها، استنفرت مخزونها وميراثها الحضاري، فذهب الخوف، وانداحت الغفلة، وانفتح زمن جديد.
Yhya_rabahpress@yahoo.com