ابو عمار.. رحمة بالناس والعباد !! - موفق مطر
ما عرفت ان ياسر عرفات ابو عمار مولود بتاريخ 4 آب من العام 1929 إلا بعد خروجنا احياء بقدرة الله من جحيم انفجارات الصواريخ والقذائف الاسرائيلية الجوية والبرية والبحرية في شوارع بيروت الغربية..التي بدت حينها وكأن زلزالا قد دكها !.
ربما كان شارون وزير جيش الحرب الاسرائيلي يعلم أن 4 آب هو يوم ميلاد زعيم حركة التحرر الوطنية الفلسطينية، وربما أراد اغتنام فرصة التخلص منه في نفس اليوم المصادف لتاريخ ميلاده.. لكن ياسر عرفات قائد الفدائيين كان يقود في تلك الساعات معركة المتحف الشهيرة حيث لم يستطع جيش الاحتلال الأقوى في الشرق الأوسط التقدم لأكثر من 15 مترا أي طول دبابة كما كان رحمه الله يتهكم على ما سماه شارون انجازا عسكريا في اقتحام بيروت في ذلك اليوم.. فهل كانت الحمم تسقط على بيروت لأن الرابع من آب كان يوم ميلاد ياسر عرفات أم لأنه كان اليوم الذي تجسد فيه الفداء بأعظم صوره، والدفاع عن الحق في الحياة وعن بيروت عروسة المدائن العربية.. للصورة ابعاد وهذان بعدان كلاهما حق وصحيح.
قال ياسر عرفات الزعيم القائد الانسان.. كم تمنيت لو كانت بيروت مدينة فلسطينية حتى لا اخرج منها ابدا..لكنها الشفقة والرحمة بالأبرياء اللبنانيين والفلسطينيين على حد سواء، فهل استغل جنرالات جيش اسرائيل مساحة الانسانية اللا محدودة في شخصية ياسر عرفات، فأمعنوا في استهداف المدنيين، فمن المعروف ان القائد العسكري وتحديدا الميداني لا يرف له جفن ولا يرق له قلب حتى لو صارت الدماء الانسانية سيولا او فاقت المآسي قدر الانسان العادي على التحمل... لكن ياسر عرفات القائد العسكري الميداني، كانت الدماء الانسانية عنده اغلى من النياشين والروايات الصحفية، فقرر ومن معه من القادة الفلسطينيين واللبنانيين بعد أن اخذ التاريخ حقه من وقائع الصمود أن يخرج من بيروت رحمة ببيروت وبالناس والعباد فيها.
لا أدري ان رأى احد ياسر عرفات باكيا.. لكني كشاهد اقسم اني رأيت دموعه في عينيه لحظة قدمت له هدية بعيد ميلاده في الرابع من آب قبل 23 عاما تقريبا في معسكر تدريب الأشبال والزهرات في عدن عندما نظم ابو العبد خطاب قائد الساحة وقائد المعسكر حينها حفلا للقائد مع الأشبال والزهرات لمناسبة عيد ميلاده.. لم تكن هديتي زجاجة عطر، ولا من انواع الهدايا المعروفة بمثل هذه المناسبات، فهذا الشخص ليس عاديا، والمناسبة كانت تتطلب هدية خارقة للعادة.. حينها قررت لف صورة فوتغرافية بمقاس 35 -50سم للقائد الشهيد ابوجهاد كنت التقطتها في تونس وبقيت نيجاتيف الى ما بعد استشهاده بسنتين حتى طبعت اول خمس نسخ منها قبل قدومي من صنعاء حيث اقامتي حينها.
الصورة كانت بالنسبة لي كحلم تحقق حين استطعت اقتناص لحظة جمعت بين القائدين ابو جهاد وأبو عمار، لحظة جمعت خصال وسمات الشخصين، يخطوان خطوة واحدة، كلاهما باللباس الميداني الزيتوني، ياسر عرفات بمسدسه الذي دخل به قاعة الأمم المتحدة عام 1974 ويحمل بيده ورقة وفي جيبه قلم، والأعظم ان الرجلين في الصورة كتوأم. اغرورقت الدموع في مآقي ياسرعرفات لحظة رأى توأمه خليل الوزير ابو جهاد، وأشاد بالصورة أمام قيادات فتحاوية منهم الأخ عباس زكي سفير فلسطين لدى اليمن الجنوبي حينها وقال حرفيا وهو ببالغ التأثر عندما وصلت للسلام عليه في استراحته بعدن: «موفق عامل صورة لي وللي الله يرحمه ابو جهاد.. انما ايه عظيمة» فاستأذنته طباعتها بالآلاف لتدخل كل بيت فلسطيني، فتمنى اجراء بعض التعديلات البسيطة على الصورة، فشرحت أهمية اللحظة والحفاظ على علامات الزمان والمكان فيها، فقال لي: «زي ما انت عايز».
اغرورقت الدموع بعيني وأنا ارى صورة التوأم ياسر عرفات ابو عمار وخليل الوزير ابو جهاد فوق رؤوس العائدين الى ارض الوطن عام 1994، لم اصدق نفسي وأنا ارى ابو جهاد القائد الشهيد عائدا الى فلسطين مع توأمه ابو عمار القائد الحي، فأجمل ما في هذه الحظة التاريخية ( الصورة) أن كلاهما في الصورة على ايقاع خطوة واحدة، حتى ملامح وجهيهما كانت مشبعة بعلامات القائد الانسان.
يوما ما اشتكيت لأبي عمار ظلم (سفير فلسطين) في بلد عربي، حاول انتهاك حقي الانساني وحريتي، ومنعي من تحقيق آمالي الشخصية بالزواج ممن احببت.. فما كان من القائد الانسان إلا ان كتب على ورقة الشكوى التالي: «الى (...........) لانهاء هذا الموضوع رحمة بالناس والعباد» .. فعدت الى حبيبتي مظفرا بمحبة ياسر عرفات.
ما استطعت مواراة دموع فرح لحظة دخول محمود العالول ابو جهاد وشقيقته التي زاد جمالها الفلسطيني جمال ثوب فلسطيني مطرز لفت أنظار الحضور وكلهم من تونس، البلد العربي الذي أعتز بمصاهرته، وبعض اصدقاء فلسطينيين جمعني بهم درب النضال من اجل فلسطين، منهم عمر غيث، لحظتها رأيت كل فلسطين تشاركني فرحتي، رغم ان واحدا من عائلتي في الدم والرحم لم يكن موجودا، فأنا في بلد وهم في بلد، تفصل بيننا الأراضي والبحار، فهلا عرفتم الآن لماذا يحق لنا الاحتفاء بميلاد القائد الانسان؟!