النداء الأخير - عبد السلام حرفوش
بعد تحركات مكثفه عربية ودولية وجولات ماراثونية ومكوكية بين الأطراف المشاركة في المفاوضات, جاء بيان الرئاسة يوم الأربعاء الماضي ليشير إلي فشل الجهود الدبلوماسية,
وأن تلك الجهود لم تحقق النجاح المأمول لها رغم الدعم الكامل الذي وفرته الحكومة لتيسير الوصول إلي شارع مصري مستقر وآمن بحسب نص البيان.
أصوات كثيرة تعترض علي تلك المفاوضات والجولات, باعتبارها تدخلا خارجيا في الشأن المصري, غير أنه علي الجانب الآخر لابد ان يعي هؤلاء المعترضون أن مصر دولة كبيرة ومؤثرة في الشأن الإقليمي والعالمي, وبالتالي فالاهتمام العالمي بها أمر طبيعي... صحيح ان العالم الخارجي والغرب وأمريكا علي وجه الخصوص لايريدون مصر قوية ومزدهرة, غير أنهم أيضا لايريدونها ممزقة وضعيفة ووكرا لجماعات الأرهاب والتطرف.
كنت ومازلت أتمني نجاح جهود الوساطة المحلية والعالمية في لم الشمل وإيجاد مخرج للوضع الحالي يضمن تنفيذ الرغبة الشعبية التي ظهرت في30 يونيو وما بعدها, وفي الوقت نفسه يضمن مشاركة كل الأطراف دون إقصاء لأحد في الحوار الدائر الآن من أجل مستقبل الوطن, ويضمن سرعة تنفيذ خريطة الطريق بأقصي سرعة ممكنة وفي أقل فترة زمنية دون تباطؤ أو تسويف.
لابد أن يدرك الإخوان ومناصروهم أنه لا عودة إلي ما قبل يوليو فلا عودة للرئيس السابق محمد مرسي ولا عودة لحكومة قنديل ولا عودة لمجلس الشوري, لأن هناك أوضاعا جديدة فرضتها الجماهير الغفيرة التي خرجت في30 يونيو وما بعدها, ولا يمكن بحال من الأحوال تجاهل كل ذلك وإلا فإن عكس ذلك يعني ببساطة أن تتحول مصر إلي سوريا أو ليبيا وأن تشتعل حرب أهلية, وأن ينقسم الجيش علي نفسه والشرطة علي نفسها وكذا كل الأجهزة والمؤسسات ويتحول الأمر إلي اقتتال أهلي بغيض وبحور دم لا أحد يعلم متي وكيف تتوقف؟
علي الجانب الآخر لابد أن تتوقف كل حملات الكراهية والشحن ومحاولات الصيد في الماء العكر من جانب بعض الاشخاص والتيارات في السياسة والاعلام بدافع الكراهية والانتقام من الإخوان أو بدافع الحصول علي المكاسب, فالبعض يقوم بتصفية حسابات شخصية والبعض الآخر يري أنه الوريث للإخوان ويريد أن يحصل علي جزء من الكعكة وكأن مصر تحولت إلي تورتة كبيرة يسعي البعض إلي التهام اكبر جزء منها... كل هؤلاء تحركهم دوافعهم لاستعجال الصدام والرقص علي جثث واشلاء المصريين أيا كان انتماؤهم السياسي ويتناسون حقيقة مؤكدة, وهي ان مصر للجميع وبالجميع ولن تكون بغير ذلك.
هؤلاء الانتهازيون والباحثون عن المنافع الشخصية هاجموا البرادعي لمجرد تفضيله الحوار والتفاوض وهم بذلك يكررون خطأ الإخوان نفسه في الأقصاء والتهميش والتكويش وكأننا لا نتعلم وندور في حلقه مفرغه من دائرة انتقام لاتريد أن تتوقف.
أثق في قدرة الجيش وحكمة قائده عبد الفتاح السيسي في تخطي هذه المرحلة الحساسة والسير بأقصي سرعة نحو تنفيذ خارطة الطريق للانتقال من هذا الوضع الانتقالي إلي الوضع المستقر الدائم بعد إنجاز التعديلات الدستورية وإجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية.
إلي جوار خطوات تنفيذ تلك الخريطة فإن جهود المصالحة يجب ألا تتوقف, وأعتقد أن الأزهر يمكن أن يكون لاعبا اساسيا في تلك الجهود إلي جوار القوات المسلحة لانهما المؤسستان اللتان يثق بهما الاغلبية الكاسحة من الشعب المصري بكل تياراته وفئاته وأطيافه السياسية والثقافية.
أخيرا علي الإخوان أن تستجيب للنداء الأخير وتقبل الاندماج في العملية السياسية وتنسي ما قبل30 يونيو وأن تفتح صفحة جديدة مع نفسها أولا لتصحيح الاخطاء القاتلة التي وقعت فيها, فالإخوان هم اعداء الإخوان, وهم الذين ارتكبوا الحماقات القاتلة ضد أنفسهم, وهم الذين قادوا الثورة المضادة ضد أنفسهم ولو أن منافسيهم واعداءهم صرفوا المليارات لتشويههم ما استطاعوا كما فعلوا هم بأنفسهم فهل يستجيب الإخوان أم أن العناد سوف يؤدي إلي المزيد من الخسائر؟ الأيام المقبلة هي التي تحمل الاجابة.
نقلاً عن "صحيفة الأهرام".