مواقف انفعالية- فؤاد ابو حجلة
الذين خرجوا في شوارع العواصم العربية معلنين رفضهم لما اعتبروه انقلابا عسكريا على الديمقراطية في مصر تحركوا بدوافع انفعالية محضة، وانطلقوا من قراءة خاطئة للمشهد المصري المعقد الذي تتفاعل فيه عوامل سياسية واقتصادية ومجتمعية رغم تصويره عن بعد باعتباره صراعا عقائديا.
بداية لا بد من الاعتراف بأن تحرك الجيش وعزل الرئيس السابق محمد مرسي لم يكن استجابة لموقف المصريين كلهم، فهناك مصريون يخرجون الى الشوارع الآن ومنذ عزل مرسي مطالبين بعودته الى الحكم وعودة الحكم إلى قبضة جماعة الاخوان المسلمين. لكن، لا بد من الاعتراف أيضا بأن تحرك الجيش جاء استجابة لدعوة أغلبية كبيرة وواضحة في الشارع المصري وهي أغلبية حرصت على تأكيد تفوقها العددي وتأكيد حضورها في المشهد من خلال الاحتشاد بمليونيات حقيقية في مناسبتين متتاليتين. ولو لم يتحرك الجيش لكان ضحايا التفرد الاخواني في الحكم أكبر بكثير من ضحايا التغيير الذي أطاح بهم.
قبل التغيير كان اسلاميو مصر يتهمون الجيش بالتبعية للولايات المتحدة والغرب واسرائيل، لكن هذه الأطراف تحديدا هي التي تحركت مع حلفائها الاقليميين والعرب في معارضة الاطاحة بهم من الحكم والدعوة الى اشراكهم في العملية السياسية، ولعل الموقف الاسرائيلي تحديدا جاء منسجما مع رؤية تل أبيب لمصلحتها في بقاء حكم يحافظ بالنواجذ على اتفاقية كامب ديفيد ويقطع علاقات مصر مع سوريا، وفي بقاء رئيس يصف رئيس دولة عربية بأنه جزار ومجرم ويخاطب شيمون بيريز باعتباره أخا وصديقا حميما.
كل ذلك لا يقلل من قسوة المشهد الذي رافق التغيير وأعقبه، فالعنف الذي يعترض عليه رعاة الديمقراطية على الطريقة الاميركية هو عنف مرفوض أصلا في الشارع المصري، والبلطجيون الذين ينتشرون بين صفوف الفريقين المتصارعين لا يعبرون عن الدولة أو المجتمع المصري وهم قلة يرفض المصريون وجودهم سواء كانوا مؤيدين للحكومة أو منخرطين في جماعة الاخوان المسلمين.
أرى بعيني ما يجري في شوارع القاهرة وأرصد التحريض على العنف من قبل قيادات الاخوان المسلمين وأتباعهم، وأرصد أيضا المبالغة في التحريض على الاخوان على شاشات الكثير من القنوات الفضائية المصرية، لكنني اتابع في الوقت نفسه ما تنقله فضائيات عربية ذات توجه مكشوف وتجتزئه من المشهد المصري ليخدم أجنداتها وسياسات القائمين عليها. إنها مواجهة تخاض الآن بالتحشيد الجماهيري وبالبيان السياسي وبالترويج الاعلامي، وينبغي الحذر في تصديق ما يبث وما تنقله الفضائيات المحرضة على الاقتتال ليس في مصر وحدها ولكن في سوريا والعراق ولبنان وفلسطين أيضا.