العرب سياج مصر القومي- عادل عبد الرحمن
في خضم التداعيات الناشئة عن ثورة الثلاثين من يونيو، التي وجهت ضربة قاصمة لمخطط الغرب عموما والاميركي خصوصا من خلال الضربة القاضية، التي وجهتها لحكم الاخوان ورئيسهم المخلوع محمد مرسي، اتخذت بعض الدول العربية موقفا شجاعا ونبيلا في دعم قيادة النظام السياسي الجديد، ورفضت الابتزاز الاميركي والاوروبي على حد سواء، واعلنت في رابعة النهار عن مد يد العون من خلال تقديم ثلاثة عشر مليار دولار لدعم الخزينة المصرية، وقامت وفود العديد من الدول بزيارة الرئيس عدلي منصور ورئيس الوزراء والرجل القوي عبد الفتاح السيسي، وزير القوات المسلحة.
نعم كان لمواقف كل من العربية السعودية وملكها خادم الحرمين الشريفين، ودولة الامارات العربية المتحدة وحاكمها سمو الشيخ خليفة بن زايد، ودولة الكويت وحاكمها الشيخ صباح الاحمد الصباح، وللمملكة الاردنية الهاشمية ولملكها عبد الله الثاني، ولدولة فلسطين ورئيسها محمود عباس وغيرها من الدول، دور ايجابي في تعزيز مكانة القيادة السياسية الجديدة ماليا واقتصاديا وسياسيا وديبلوماسيا. وشكلت مواقف الدول سياجا واقيا وحاميا للارادة الوطنية المصرية الشجاعة، التي حررت مصر العروبة من براثن حكم المرشد الاخواني ومخطط الغدر والتقسيم الديني والطائفي والتفريطي بأمن وسلامة ووحدة حدود الدولة المصرية.
رفضت الدول العربية المذكورة كل من موقعها وضمن امكاناتها الانصياع لمشيئة الادارة الاميركية ودول الاتحاد الاوروبي، التي وجهت، وما زالت توجه سهام آلتها الاعلامية والسياسية والديبلوماسية ضد النظام المصري بقيادة الرئيس المؤقت عدلي منصور. ليس هذا فحسب، بل قامت قيادات الدول بالدفاع عن الثورة المصرية، ورفضت ابتزاز الاخوان المسلمين ومن يقف خلفهم من الغرب ودول الاقليم، وتصدت عبر حراكها السياسي والديبلوماسي للهجمة الشعواء، وغير المبررة، والمعادية لارادة الشعب المصري العظيم. ولم يقتصر الدعم عند حدود ما أعلن او قام به وزراء الدول المذكورة بزيارات رسمية لبعض الدول ذات الصلة بالحدث المصري، بل هناك خطوات واعمال غير مرئية نفذتها تلك الدول لتعزيز توجهات الثورة المصرية الثانية.
القراءة الموضوعية للحراك العربي الرسمي تدلل على: أولاً اهمية البعد القومي في معارك الدول العربية المختلفة؛ وثانيا يشير التحرك إلى وجود تباين وافتراق في محطات معينة بين الدول العربية والغرب عموما والولايات المتحدة خصوصا، وليس بالضرورة، ان يكون العرب الرسميون نسخة كربونية عن مواقف اميركا، كما يشاع في قراءة مواقف تلك الدول. هناك احيانا تنافر تحكمه مصالح الدول؛ ثالثا كشفت التحركات العربية الجديدة عن ان تيار الاعتدال آخذ في استعادة دوره القومي، من خلال دعم السياسات المصرية الداخلية والخارجية، وفي الوقت نفسه انحسار وتراجع التيار الداعم للاخوان او تيار المخطط الاميركي ممثلا بقطر والسودان والصومال وتونس واقليميا تركيا اردوغان وإسرائيل؛ رابعا وحدة الموقف العربي الرسمي في مواجهة الاخوان المسلمين، ما يشير الى انكفاء مشروع الاخوان التصفوي وأدواته. واستمرار بعض قوى الاخوان هنا وهناك من عالم العرب لا يعني البقاء في الحكم، بل ان مصير تلك الانظمة الاندثار، لأن الارادة الشعبية في تونس وفلسطين والصومال والسودان وليبيا واليمن والمغرب تتعاظم في مواجهتهم، وإعادتهم الى حيث يجب ان يكونوا، ما لم تغير تلك القوى برامجها وسياساتها التآمرية والمتناقضة مع مصالح شعوبها العربية.
مما لا شك فيه ان النظام المصري الجديد وثورته العظيمة أربكت الغرب وحساباته، وهددت فعلا مخططاته التآمرية على وحدة الاوطان العربية، الأمر الذي دفعها لاتخاذ مواقف متضاربة ومربكة، لأنها بين نارين، نار التعامل مع النظام الجديد لحماية المصالح الحيوية للغرب وفي طليعتها حماية أمن إسرائيل المارقة، وبين مواصلة الرهان على الخيار الاخواني الخاسر، الذي وافق على تنفيذ مشاريعه التخريبية في المنطقة. ولعل الاجتماع الذي ضم قادة اجهزة امن عدد من الدول الغربية والاقليمية قبل فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة للتآمر على مصر المحروسة، وإصرار تلك الدول وأجهزتها الاستخباراتية على مواصلة العبث بالأمن القومي المصري والعربي، ليكشف عن فقدان التوازن، ورفض تلك الدول الاقرار بارادة الشعوب العربية وخاصة، ارادة ثورة يونيو العظيمة، التي صوت لها ثلاثة وثلاثين مليونا من المصريين.
لكن مصر بوحدة شعبها وجيشها ودعم الدول الشقيقة المذكورة وغيرها ومن قبل الدول المساندة للارادة المصرية مثل روسيا الاتحادية والصين ستمكن مصر الثورة الثانية من اجتياز حقل الالغام الاميركي والاوروبي الغربي والاسرائيلي والتركي والقطري، ولن تعود عقارب الساعة للوراء.
a.a.alrhman@gmail.com