المسألة السورية تهز اوباما - عادل عبد الرحمن
المسألة السورية في المعادلة الاميركية ، تركت اثارا مختلفة على صانع القرار الاميركي الاول، الرئيس باراك اوباما، وعلى العلاقات الداخلية بين الحزبين في الولايات المتحدة، وايضا على العلاقات الدولية عموما ، والعلاقات الروسية / الاميركية خصوصا. فضلا عن تداعياتها الاقليمية والعربية.
لم تعد قضية الهجوم على سوريا، التي فرضها باراك اوباما على نفسه، عندما وضع خطوطه الحمر، الخاصة به، قضية سهلة او عابرة في السياسة الاميركية ولا الدولية. فالرئيس الاسود كما يعلم الجميع تقدم على هيلاري كلينتون في المنافسة لكسب تأييد الحزب الديمقراطي عام 2008 ، وتقدم على مرشح الحزب الجمهوري، بموقفه الرافض لنتائج الحرب على العراق وافغانستان، واعلن انه سيعمل على الخروج من البلدين، والتركيز على تجاوز الازمة الاقتصادية من خلال التركيز على الداخل الاميركي.
لكن ساكن البيت الابيض وفريقه، عاد ولحس موقفه السابق نتيجة التحولات الاستراتيجية في مصر، التي اريكت المخطط الاميركي، لاسيما وان الولايات المتحدة والغرب عموما، يعلمون ان الشعب السوري نزف طويلا وكثيرا خلال الاعوام الثلاثة الماضية، حتى فقد حتى الان نحو مئة الف شهيد خلافا للضحايا الاخرى من الجرحى والتدمير للبنى التحتية، ولم تتحرك "نخوتهم" الانسانية، ولم تشرئب نزعاتهم الحقوقية، الامر الذي وضعه في ارباك شديد داخل حزبه، وبالعلاقة مع الحزب الجمهوري، الذي كما تشير بعض الدلائل، انه لن يدعم موقف اوباما بتوجيه ضربة لسوريا.
كما ان اوروبا وجهت صفعة قوية للرئيس الحائز على جائزة نوبل اولا برفض مجلس العموم البريطاني الموافقة على التورط في حرب اوباما ضد سوريا، والمانيا اعلنت انها لن تنخرط في الحرب، وحتى فرنسا، التي اعلن هولاند، باسمها موافقته على الضربة، لم يحصل على دعم الشعب والمؤسسات التشريعية الفرنسية، اضف الى المظاهرات المعادية للحرب الاميركية على سوريا.
نجم عن ذلك تزعزع مكانة اوباما حتى لو استخدم نفوذه وصلاحياته كقائد اعلى للقوات المسلحة الاميركية، وقام بتوجه ضربة محدود او غير محدود، كما انعكس على مكانة الولايات المتحدة الاميركية، حيث اكدت المؤشرات المحيطة بالموقف الاميركي على الاتي : اولا تراجع مكانة الولايات المتحدة على الارض؛ ثانيا كشف عجز الولايات المتحدة عن تأطير حلفاء غربيين كما حصل في حروبها السابقة؛ ثالثا زيادة نفوذ روسيا الاتحادية على حساب اميركا؛ رابعا عودة هبوب رياح الحرب الباردة على الاقطاب الدولية وخاصة بين الولايات المتحدة من جهة وبين روسيا الاتحادية من جهة اخرى؛ خامسا استياء حلفاء اميركا في المنطقة من الموقف المتردد تجاه ضرب سوريا؛ سادسا خشية إسرائيلية كبيرة من الموقف الاميركي القائم، والذي عكسه المحللون الاسرائيليون في مقالاتهم، الذين افترضوا ان الولايات المتحدة، لن تقف الى جانبهم في حال وجهت ايران الضربة لاسرائيل، حتى ان احدهم قال، "رهاننا فقط على الاحتياط الاسرائيلي"، بمعنى "يا وحدنا! سابعا شاء اوباما ام ابى عزز موقف النظام السوري على حساب المعارضة السورية.
إذن المسألة السورية شكلت تحديا خطيرا للسياسة والمكانة الاميركية ليس على صعيد المنطقة، وانما على الصعيد الدولي. ويمكن اعتبارها نقطة تحول موضوعية جديدة في هزيمة العولمة الاميركية. لانها وضعت إسفينا قويا في إست اميركا، ليس لان النظام السوري عبقري، ولا لانه لا يجوز ان يسقط، ولكن لان الالية التي انتهجتها اميركا منذ البداية في معالجة الملف السوري، كانت خاطئة، بالاضافة الى مواقف اوباما الاساسية، التي تبوأ موقعه على اساسها في البيت الابيض، وضعته في مأزق صعب ومعقد. ولم يتمكن من تبرير خطوته الغبية والرعناء في خطابه قبل يومين. وايضا لان الظروف الراهنة، ليست هي ذات الظروف ، التي اعلن فيها بوش الابن حروبه على العراق وافغانستان. المعادلة اختلفت، ومعايير الدول اختلفت، وكشف اكاذيب اميركا في العراق وافغانستان والصومال والسودان وليبيا ومصر وفلسطين أسقط كل الاقنعة الاميركية. وبات الرئيس اوباما رجلا هزيلا في زوايا البيت الابيض، حتى لو استخدم كل الاسلحة النووية، التي لدى الولايات المتحدة. وعلى العرب الرسميين ان يتعلموا فن ادارة السياسة، وان لا ينساقوا ابواقا تافهة لراعي البقر الاميركي. وهذا ليس دفاعا عن بشار الاسد ونظامه، بل دفاعا عن الشعب العربي السوري، والوطن والدولة السورية، التي تريد اميركا واسرائيل تفكيكها لمعاودة هجومها وتنفيذ مخططها الشرق اوسطي الكبير.