حديث قد لا يعجب البعض... - يحيى رباح
من المعروف أنه أكبر بلاء يمكن أن يصيب شعباً مازال جاثماً تحت الاحتلال، وتحت سقف الحصار، ويناضل جاهداً للحصول على استقلاله الوطني وبناء دولته الوطنية المستقلة، أكبر بلاء هو الانقسام، لأن هذا الانقسام يكون حينئذ فعلاً شاذاً وشائناً وهدية كبرى بالمجان لصالح الاحتلال، وعدوانا ظالما أشد الظلم على الشعب، وتشويها لصورة هذا الشعب وتضحياته وبطولاته، وتزويرا للأجندة الوطنية لهذا الشعب.
وهذا هو حال الانقسام الذي نفذته حماس بإنقلاب عسكري مسلح, وبتحريض من أطراف إقليمية ودولية معروفة بعدائها للشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية العادلة.
هذا الانقسام انتقل طوال أكثر من سبع سنوات عجاف من عناوينه السياسية إلى عناوين عقائدية واجتماعية وثقافية، وأصبح مدخلاً للإساءة إلى مصالح شعبنا من أطراف متعددة، بل وأصبح ذريعة للبعض للتخلي عن مسؤولياتهم أو التستر وراءه لأخفاء تقصيرهم أو تدخلهم السلبي.
ولكن الوجه الآخر لهذه الحقيقة الساطعة أن من ارتكبوا جريمة الانقسام دون وجه حق، ودون أي غطاء وطني أو سياسي أو أخلاقي، لا يجب أن يكافأوا على جريمتهم، ولا يجب أن يحصلوا على أي ثمن لقاء ذلك، من أجل استقرار اليقين بأن الجريمة ضد الشعب وضد الوطن وضد قداسة القضية الفلسطينية لا تفيد أبداً.
هذا لا يعني أن نسلم بالانقسام، أو أن تتوقف الجهود بهدف المصالحة وإعادة اللحمة والوحدة، ولكن ليس بأي ثمن، وليس كما اتفق، وكن عبر معايير تحمي شعبنا من إعادة تكرار البلاء والمحنة!!!
ولا يجوز هنا أن نفتح الباب على مصراعيه لشرعية الوسطاء من الداخل أو الخارج، فنبدو وكأننا نطارد غزالاً ميتاً!!!
أي نقوم بجهد عبثي من أجل إرضاء بعض العاطلين عن العمل داخلياً وخارجياً، فنستجيب لأطروحاتهم التي بلا لون ولا طعم ولا رائحة!!!
ومع الأسف فقد كررنا ذلك عدَة مرات إلى حد الإساءة لمصطلح المصالحة من كثرة ما كررناه دون شروطه الموضوعية، فكان أن ارتبطت كلمة المصالحة بالإحباط طيلة ما يزيد على سبع سنوات.
نذكر أن الذين ارتكبوا خطيئة الانقسام في الداخل والخارج، لم يكونوا يعتقدون أن هذا الانقسام سيصل إلى نهايته المأساوية – كما هو الآن- بضاعة كاسدة لا يريد أن يشتريها أحد!!!
مذكراً أن القوى الإقليمية والدولية التي ثارت شهيتها مع وقوع الانقسام لاستخدامه ببشاعة ضد شعبنا، والتبرؤ من أية حقوق والتزامات، لم تعد قادرة اليوم أن تلعب نفس الدور، والدليل على ذلك، فإننا على المستوى الدولي حصلنا على أهم قرار منذ أوسلو وإقامة السلطة الوطنية وهو قرار الجمعية العامة في نهاية العام الماضي!!!
و كذلك الحراك الأميركي الجديد من أجل استئناف المفاوضات على أسس جديدة!!!
و قرار الاتحاد الأوروبي بمقاطعة منتجات المستوطنات – بصفتها غير شرعية – الذي بدأ تنفيذه الفعلي في مطلع السنة الجديدة 2014، كل هذه التطورات الإيجابية حدثت في ظل الانقسام، ولم يعد أحد قادر على المتاجرة بالانقسام، والشخص الوحيد الذي سمعناه يحاول ذلك هو المندوب الإسرائيلي في الأمم المتحدة التي كرر فيها مداخلة بائسة لم يلتفت أحد إليها عند التصويت الإيجابي غير المسبوق!!!
ثم جرت محاولة أخرى تعهد بها محمد مرسي حين كان ممثلاً للاخوان المسلمين في الرئاسة، وحتى هذه المحاولة تم كشفها وفضحها ووأدها في مهدها على يد الشعب المصري العظيم وجيشه البطل، وتلك المحاولة – دفن القضية الفلسطينية في سيناء – وتوسيع جسم الانقسام في سيناء، أصبحت واحدة من التهم الكبرى التي تواجه محمد مرسي أمام القضاء المصري العظيم.
ليس هذا مبرراً لوقف الجهود والمحاولات، ولكن ليس الهرولة البلهاء، وليس المحاولات لذات المحاولات، وليس لمجرد تصدير أخبار على وسائل الإعلام سرعان ما تتلاشى كالفقاقيع الهشة!!!
بل جهود حقيقته تأخذ بعين الاعتبار كل ما ذكرته، وتركز إلى الحالة الوطنية المتصاعدة، متذكرين أنه يوجد في غزة حركة شبابية شجاعة اسمها حركة تمرد، وتوجد حالة وطنية تبشر بالخير حتى وإن لم يرها العاجزون، الذين يقيسون على الماضي وليس على الزمن الجديد الذي نعيش فيه!!!
زمن يبنى فيه التنظيم على قواعد الشجاعة والاحتكاك والثقة بالحلم الوطني، تنظيم الحد الأقصى وليس هياكل الحد الأدنى المختبئة وراء نفسها.