مقاربات "حمساوية" جديدة- عدلي صادق
يتضح أكثر فأكثر، أن الدولة في مصر، أحكمت السيطرة على المشهد السياسي فيها، لأن أمن المجتمع واستقراره، لا يعادلهما شيء، ولأن حماقة "الإخوان" جعلتهم عندما وقع الصدام الأول مع الدولة، وهو الصدام المتمثل بإقصاء مرسي لأسباب تتعلق بالإداء وبتأثره الفاقع بضغوطات جماعته التي تتعجل الهيمنة؛ يقابلون خطوة الإقصاء برعونة لا مثيل لها، أظهرتهم موصولين حكماً بتيار العنف الإرهابي. فقد اعتمد محازبوهم أساليب الترهيب، فشطبوا الفجوة بينهم وبين "السلفية الجهادية" وكان ذلك أمام عيون الناس وفي حضورها. وعندما سجلوا رعونتهم التي أعادتهم خمسين سنة الى الوراء؛ لم يدققوا في المشهد الاجتماعي، ولم يكترثوا لخروج الحشود بالملايين يوم 30 حزيران (يونيو) لإقصاء مرسي، ثم تداعت أمورهم لكي تكشف عن بغضاء عميقة لمؤسسات الدولة وعلى رأسها الجيش والمسيحيين، الأمر الذي حسم النقاش سلباً، حول مدى صلاحيتهم للاضطلاع بالحكم أو المشاركة في التداول عليه.
جماعة "الإخوان" في مصر، لن تعود الى الحكم ولا الى السباق الديمقراطي عليه. وهنا يهمنا موقف الحلقة الفلسطينية من الجماعة في غزة. فهؤلاء باتوا يتخبطون، إذ ابتلعوا الطُعم الذي رماه لهم الواهمون والمتآمرون، والشاشات مشبوهة النوايا، فصدقوا أن عودة مرسي ممكنة، بمساعدة الأميركيين، وأن انتصار "الإخوان" محقق، وعلى مَن؟ على الدولة وعلى المجتمع في مصر.
وفي الوقت الذي كانت فيه "حماس" تتهم "فتح" بتحريض المصريين عليها، وتزوّر رسائل تقول إنها وثائق، للبرهنة على أن هناك تحريضا؛ تجاهلت أو جهلت أن موقفها نفسه، المعروض علنا على شاشات تلفزتها ووسائل إعلامها، هو الذي من شأنه تحريض الدولة المصرية عليها. وطالما أنها تسيطر على غزة، فإن غزة باتت ضحية هذه المقامرة الحمقاء.
كان المنطقي، الذي يقرره وضع غزة، هو أن تلتزم "حماس" الصمت، وأن تعلن عن امتثالها لمقتضى الصلات التاريخية بين فلسطين وقضيتها وشعبها والدولة المصرية، مثلما التزمت "فتح" بهذا المقتضى، عندما صعد "الإخوان" الى الحكم.
لقد وضعت "حماس" نفسها في قلب حصار شامل، لأنها خلقت لنفسها خصومة مع مصر، فأضيفت هذه الخصومة الكارثية الى الحصار الإسرائيلي لغزة. وعلى صعيد السياسة الإقليمية، لم يكن موقفها من سوريا مبدئياً، لأنها تحالفت مع نظام الاسد عدو شقيقتها الحلقة السورية من "الإخوان"، وعندما تمادى الحليف في الولوغ في دم الناس؛ أحست بأن موقفها أصبح فائحاً وفاضحاً، فتراجعت عنه والتزمت الموقع النقيض. وبسبب سياسة الجمع بين المتناقضات، وقعت في مصيدة الخصومة بين معسكرين، إيران وروسيا والنظام السوري من جهة، والخليج والمعارضة السورية وتركيا من جهة أخرى. كان لها في وقت من الأوقات، خطوطها مع المعسكرين، وكانت تستفيد، لكنها باتت في مأزق. فعندما أعلن مرسي عن موقف الانحياز الكامل للثورة السورية، تماهت "حماس" مع موقفه، وعندما جرى إقصاء مرسي، أحيل موقفه الى قائمة المواقف الرعناء وغير المدروسة التي أفقدت مصر دورها على صعيد احتمالات التوصل الى تسوية للنزاع في سوريا. وذهبت الأمور في اتجاه ضربة أميركية لسوريا، بدت كأنها مع الضربة. أما "فتح" فلأنها تحسب المواقف السياسية جيداً، فإنها تحاشت المأزق، ولم تتدخل، ورفضت الضربة المحتملة لسوريا، وتعاطفت مع أمنيات الشعب السوري بالقدر الذي سمحت به ظروف فلسطين. فلفلسطين قضيتها وتلك هي البوصلة!
حركة "حماس" تفتش الآن عن مخرج. وكعادتها ترغب في أن يكون المخرج مربحاً لها كالأنفاق، وتظن أن الآخرين أغبياء ولا يدرسون كل المواقف. فقد بدأت في التصريح الخجول باستعدادها لإشراك الآخرين في السلطة، دونما إشارة لاستعدادها تنفيذ الاتفاقات المعطلة، لكي تقوم المصالحة على أسس دستورية وقانونية، تُنهي ازدواجية القوة على الأرض، وتؤسس لبناء سلطة شرعية للجميع، مهابة ومقتدرة، لا يتاح في ظلها لطرف، الحق ولا القوة للانقضاض عليها. أما المصالحة التي يكون هدفها إحالة الأعباء المالية على السلطة الشرعية، والإبقاء على هامش واسع من المناورة الميلشياوية على الأرض؛ فلا فرصة لها.
في اجتماع حمساوي أخير، كان يبحث في المأزق، قيل بلسان قياديين حمساويين، إن الحل هو رمي السلطة للسلطة، والعودة الى خندق المقاومة. هنا يرى بعض الحمساويين أن ثمة إمكانية لعودة شرعيتين على أرض واحدة. الأولى تحكم وتتلقى الضربات نيابة على أصحاب الخندق أو الأخدود، والثانية تفعل كل شيء بشفاعة خندق له اسم لا يشبهه. هم يريدون أصلاً الاستمرار في الحكم، ولما بات الحكم عسيراً بعد كل الإخفاقات الداخلية والخارجية، عادوا ــ أو على الأقل عاد بعضهم ــ الى فكرة الحديث عن مقاومة، لعل هكذا حديث يرفع أسهمهم من جديد. لكن هذه المقاربات غير واقعية ولا مجال لها. لتفعل "حماس" كل ما تستطيع لطيْ ملف الخصومة مع مصر، ولتذهب الى مصالحة على أسس دستورية وقانونية، لكي يستعيد الفلسطينيون وحدتهم الكيانية، دونما احتفاظ بقوة إكراه موازية، تتلطى بالمقاومة وتتربص بالمجتمع!
adlishaban@hotmail.com