ألاعيب حماس مفضوحة- عادل عبد الرحمن
تعيش حركة حماس وضعا معقدا واستثنائيا نتيجة تعقيدات اللحظة السياسية، واشتداد حبل المقصلة حول عنق الانقلاب الاسود وقيادته. مما دفع قيادة الحركة في محافظات القطاع إلى ممارسة سياسة توزيع الادوار، رغم الاقرار المبدئي بوجود تباينات واجتهادات مختلفة بين تيارات جماعة الاخوان فرع فلسطين. لكن حتى اللحظة الراهنة لا يمكن الافتراض ، ان حدود التباين تتيح للمراقب الاعتقاد، ان هناك فريقا جاهزا فعلا للمصالحة الوطنية، ولديه الاستعداد لدفع الثمن السياسي والحزبي واللوجستي.
نعم قام بعض قادة الانقلاب الحمساوي، بإرسال رسائل للرئيس ابو مازن، تتضمن موقفا ايجابيا من حيث المبدأ.
لكن هذه الرسائل لم ترق لدرجة الرهان على اصحابها، رغم ان اهمها جاء من نائب رئيس المكتب السياسي، إسماعيل هنية. لأن دلالة اي رسالة تتمثل في الشروع باتخاذ إجراءات على الارض لطي صفحة الانقلاب البغيض. كما ان الرسائل لم تأت كرم اخلاق من قبل اصحابها، بل جاءت نتيجة خشية اصحابها على انفسهم، والعمل على إيجاد موطئ قدم في المرحلة المقبلة.
والأهم كيف يمكن الرهان على رسائل من اسماعيل هنية او الظاظا او من كوادر امثال غازي حمد أو احمد يوسف، وهم لا يملكون القدرة على حماية انفسهم؟ وكيف يمكن الرهان على تلك الرسائل واصحابها، وفي نفس الوقت تقوم منابر ووسائل إعلام حركة حماس بالتحريض على الرئيس محمود عباس وباقي اركان القيادة الشرعية، واتهام ابو مازن بما لا يليق بأي وطني، وآخرها لذلك المتفذلك صلاح البردويل، والدعي مصطفى الصواف وسامي ابو زهري ومشير المصري وغيرهم من مختلف الاحجام والاوزان في المستويات التنظيمية الحمساوية؟ وكيف يمكن الرهان على هكذا قيادة والتحريض ليل نهار على القيادة المصرية الجديدة، وهو ما يعني زج الشعب العربي الفلسطيني في الشؤون الداخلية المصرية، واستعداء الشعب والقيادة المصرية ضد الشعب الفلسطيني؟ وكيف وعلى اي اساس يمكن الرهان على هكذا قيادة خبرتها تجربة الانقلاب في سنواتها السبع العجاف؟ ووفق اي منظومة فكرية او سياسية يمكن الافتراض ان تلك القيادات جاهزة للعمل لصالح المشروع الوطني، وهي تقوم بالاستعراضات العسكرية ايضا ضد جمهورية مصر العربية، وتهتف لصالح جماعة الاخوان المسلمين؟ وأيعقل لقائد او مراقب سياسي يمتلك حدا ادنى من الواقعية والمنطقية في رؤيته السياسية الوطنية أن يراهن لثانية واحدة على مصداقية اي قائد من جماعة الاخوان المسلمين بغض النظر عن جنسيته فلسطينيا ام مصريا ام تونسيا أم سوريا ام مغربيا ام إماراتيا ام سعوديا,,, ؟ هل من الممكن لمواطن فلسطيني او عربي ان يصدق جماعة الانقلاب، التي يصف فيها صلاح البردويل حركة "تمرد" المصرية النبيلة بالحركة الفاشية والنازية، بأنها جادة بالمصالحة والحرص على المصالح الوطنية الفلسطينية العليا؟
بعض المراقبين ذهب في قراءته لبعض ما جاء في رسائل قادة حماس، إلى ضرورة التقاط الفرصة ، والتعامل الايجابي مع المطروح، والقاء الكرة في مرمى حركة الانقلاب! ونسي هذا القائد او ذاك المراقب، ان المؤمن لا يلدغ من ذات الجحر مرتين، مع ان الشعب والقيادة الفلسطينية لدغت عشرات المرات من جحر الاخوان المسلمين في فلسطين وحيثما كانوا في دنيا العرب وبلاد المسلمين.
وذهب البعض الآخر، إلى ان بعض القيادة "ليس متحمسا" للمصالحة، وهو ما يعني "تحميل" القيادة الشرعية مسؤولية "التهرب" من استحقاق المصالحة؟ وهذا غير دقيق، لأن الرئيس عباس ومن معه، يدركون جيدا أن لا مشروع وطني دون محافظات الجنوب، ولا مستقبل سياسي لأي قائد لا لعباس ولا لغيره دون وحدة الارض والشعب والمشروع الوطني ووحدة النظام السياسي التعددي. فضلا عن ان مثل هكذا استنتاج فيه إفراط في استغباء الذات والمنطق السياسي الواقعي، لأن ابو مازن بالمصالحة الوطنية، يقوي مكانته ودوره في المفاوضات الجارية مع إسرائيل، وامام الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي وباقي اقطاب العالم.
وحتى لو شاء المرء ان يتساوق مع وجهة النظر الساذجة، التي تسعى لالقاء الكرة في مرمى الطرفين الشرعية الوطنية وقيادة الانقلاب، فإن المنطق البراغماتي البدائي يملي على القيادة الشرعية، ان تغتنم اللحظة السياسية لفرض نفسها على الساحة الغزية لضبط إيقاع الخطاب السياسي تجاه الذات الوطنية، واتجاه جمهورية مصر العربية، ولتعزيز العلاقة مع قيادة النظام السياسي الجديد، لأن هناك الف اعتبار واعتبار في العلاقة الفلسطينية / المصرية يملي التناغم بين القيادتين والشعبين في اللحظة الاستراتيجية القائمة.
حركة حماس المحشورة في الزاوية بمختلف تلاوينها وتياراتها ليست جادة، ولا معنية بالمصالحة الوطنية، وهي تحاول اتهام القيادة ب "التآمر" على شعبها مع سلطات الاحتلال الاسرائيلية. انما قيادة الانقلاب تلعب لعبة الاستغماية مع القيادة الشرعية بقيادة محمود عباس، وتهدف الى كسب الوقت من خلال عملية التسويف والمماطلة واللعب على الكلمات، لتضليل القيادة والشعب على حد سواء. ولكن ستبوء سياسة ومنطق وفهلوة حركة الانقلاب الاسود. وإن كانت جادة، عليها الآن الاعلان مباشرة باسقاط خيار الانقلاب، والدعوة المباشرة للرئيس ابو مازن لتحديد ما يراه مناسبا في تشكيل حكومة التكنوقراط والانتخابات التشريعية والرئاسية، والسماح للقوى الامنية الشرعية بتحمل مسؤولية الامن في الشارع الغزي وعلى المعابر دون قيد او شرط. غير ذلك يكون جزءا من ألاعيب ومناورة حماس.
a.a.alrhman@gmail.com