300 عام سرقت في 4 دقائق
القدس - رام الله - الدائرة الإعلامية
رشا حرزالله
لسنوات طويلة، ظلت حجارة قصر آل طوقان في البلدة القديمة من مدينة نابلس عصية على الانهيار بالرغم من القصف الإسرائيلي.
غير أن أقواس هذا القصر لم تستطع الصمود لأكثر من أربع دقائق بأدوات لصوص الآثار، الذين أقدموا تحت جنح الظلام على سرقة حجر أثري مزخرف من الباب الرئيسي له.
سعد المصري (39عاما)، عاد من عمله في أحد الحمامات التركية القديمة عند الخامسة فجرا، حيث صادف بالقرب من منزله في حارة القريون، خمسة أشخاص مسلحين، يقومون بعملية هدم للحجر المقوس الذي يعلو الباب الرئيسي للمنزل الذي تقطنه إحدى العائلات.
يقول المصري: 'صادفت خمسة أشخاص مسلحين بأسلحة وعتاد ثقيل، عندما شاهدوني قاموا بإطلاق 4 رصاصات تجاهي، وقالوا لي (روح ع البيت)، لم أستطع التعرف عليهم كونهم كانوا يرتدون أقنعة سوداء، اتصلت على العديد من الجهات الأمنية، غير أنهم فروا مسرعين من المكان، وبعد تفقدي لمكان الهدم، وجدت أنهم قاموا بسرقة حجر كبير مزخرف من قصر آل طوقان'.
هذه الحادثة أثارت الشك لدى البعض بأن تكون قوات الاحتلال أقدمت على سرقة الحجر، غير أن المصري أكد لـ'وفا' عدم تواجد أي من الجيبات الإسرائيلية في تلك الليلة داخل البلدة القديمة، وتحديدا حارة القريون، موضحا أن سكان الحي استيقظوا على صوت إطلاق الرصاص، كما أن أحد المواطنين مر بالصدفة من المكان وشاهد ما حدث.
وقال المصري، بدأ الخوف يتملك سكان البلدة القديمة فور سماعهم بما جرى، وأصبحوا يخشون على حياتهم، لأن ما حدث كاد أن يودي بحياتي، مطالبا الجهات المعنية بضرورة إيجاد حل سريع يطمئن المواطنين في البلدة القديمة.
مدير الشرطة السياحية في نابلس حسن نعيرات أكد لـ'وفا' أن مجموعة مسلحة قامت بسرقة حجر منقوش، قائلا إنها المرة الأولى التي تجري فيها عملية سرقة آثار بهذه الطريقة 'الاحترافية'، وفور تلقي الشرطة للبلاغ باشرت تحركاتها للكشف عن الفاعلين، غير أن هناك عدم كفاية للأدلة التي قدمها الشهود.
وكشف عن وقوع حادثه سرقة مشابهة لقصر آل خماش في البلدة القديمة، حيث حاول مجهولون في وقت متأخر من الليل، سرقة أحد الأحجار الأثرية الثمينة، غير أنهم لاذوا بالفرار بعدما قام مواطنون بكشفهم، وتم إرسال قوة كبيرة للمكان من قبل الشرطة السياحية غير أنهم لم يستطيعوا القبض على اللصوص الذين فروا من المكان.
وأوضح أن الشرطة استعانت بشخصيا بارزة في البلدة القديمة لمساندتها في القبض على هؤلاء الأشخاص، كما أعطت تعليماتها لأكثر من جهة بضرورة مراقبة الأبنية والمواقع الأثرية التي من المتوقع سرقتها، وعن أي تحركات غريبة تجري بجانب هذه الأبنية.
وحول إمكانية أن يكون الفاعل هو الاحتلال، قال نعيرات، إن الشرطة أُبلغت في تلك الليلة عن وجود اقتحام لقوات الاحتلال، غير أن هذا الاقتحام لم يكن داخل البلدة القديمة، وتمكنا من التأكد من ذلك عبر التحقيقات التي أجريناها، مشيرا إلى أنه وحسب ما لدى الشرطة من معلومات فإن الحجر لا يزال داخل البلدة القديمة.
وقال: 'هؤلاء الأشخاص استغلوا وجود قوات الاحتلال في مدينة نابلس، وقاموا بسرقة حجر ثمين، وفي الفترة الماضية نشطت سرقة الحجارة المزخرفة والتراثيات وشجر الزيتون الرومي القديم، وبيعها للإسرائيليين، حيث يتم إعادة معالجتها في المحاجر واستغلالها في بناء المستوطنات ليثبتوا بذلك بأنهم أصحاب الأرض والحقوق'.
وبحسب مهندس البلدة القديمة نصير عرفات، فإن قصر طوقان بني بداية القرن الثامن عشر أي قبل حوالي 300 عاما، ويعد الأضخم من بين القصور التاريخية والتراثية في فلسطين، حيث يضم ثلاث ساحات داخلية بالإضافة إلى حديقة بمساحة 5 دونمات، وغرف ضيافة مشيرا إلى أقوال شخصية نابلسية قديمة إن أكثر من 1000 جندي عثماني كانوا ينامون داخل القصر.
وبحسب القائم بأعمال مدير دائرة الآثار في وزارة السياحة والآثار في نابلس محمود البيراوي فإن نابلس تضم 1200 معلما أثريا موزعة على 266 موقعا، تعرضت اغلبها للنهب والسرقة، ومنها ما تم ضبطه، ومنها ما تم تهريبه إلى القدس أو إلى الخارج، وعملية استرجاعها تحتاج إلى تدخل على المستوى السياسي.
وقال إن أكثر المناطق التي تعرضت للسرقة هي سبسطية كونها غنية بالآثار، كذلك المناطق 'C' التي تخضع للسيطرة الإسرائيلية، وغالبية التنقيب والسرقة تتم بحماية من الاحتلال، غير أنها تراجعت في المناطق الخاضعة لسيطرة دولة فلسطين.
وكيل وزارة السياحة والآثار حمدان طه قال بدوره، إن عام 1967 شهد تصاعدا في عمليات سرقة الآثار نتيجة انفتاح الأسواق الإسرائيلية الذي شجع عبر محفزاته التي من خلالها فتح المجال لتجار الآثار بالتنقيب والنبش بطرق غير قانونية، ما أدى إلى زيادة الطلب على المواد الأثرية.
وقال، هناك ملايين القطع الأثرية التي تم سرقتها منذ عام 67، وهناك معطيات لدى الوزارة بأن نحو 100 ألف قطعة سنويا كان يتم سرقتها منذ العام المذكور، مؤكدا أن أكثر من 85% منها تم تهريبها إلى الخارج، وكانت تدار من قبل تجار ووسطاء فلسطينيين، وتصل إلى مراكز إسرائيلية ومن ثم تهريبها، معتبرا أن خطر هذه الظاهرة لا يكمن فقط في التجارة غير المشروعة بالآثار، بل بتدمير المواقع الأثرية بعد سرقتها.
وأضاف، هناك عشرات الآلاف من القطع التي تم الكشف عنها في سياق التنقيب الذي تقوم به إسرائيل في نحو ألف موقع أثري داخل حدود 67، بالإضافة إلى ما تم حجزه في متحف فلسطين للآثار والمعروف بإسم 'روكفلر' -وهو أقدم متاحف الآثار في الشرق الأوسط ويقع في القدس الشرقية، ويضم آلاف القطع الأثرية التي تم اكتشافها نتيجة الحفريات التي أجريت في فلسطين في عهد الانتداب البريطاني، وقامت إسرائيل بالاستيلاء عليه بعد حرب 67.
وحول ما إذا كانت هذه العمليات منظمة، قال طه إنه قبل مجيء السلطة الوطنية كان هناك مجموعات شبه منظمة تقوم بعمليات التنقيب، وتمت غالبيتها بسبب الضائقة الاقتصادية والحصار غير أنه وبعد عام 1995م، وتأسيس دائرة وطنية تعنى بالآثار، بدأت الوزارة تحارب ظاهرة النهب والسرقة والاتجار حيث كان هناك عدم وعي من قبل المواطنين بقيمة هذه الآثار التاريخية، ولذلك بدأنا بعمليات توعية من خلال إظهار هذه القيمة على اعتبارها جزء من الهوية الثقافية، التي تسهم في إحداث التنمية السياحية ويتوجب الحفاظ عليها.
'القدس أكثر المناطق المتضررة من السرقة والنهب'، يقول طه، ويضيف، 'إسرائيل تحاول تغيير طابعها الديني والتاريخي العربي، عبر التنقيب الكبير الذي تقوم به، وشق الأنفاق وتقديم معلومات مضللة وكاذبة عن المدينة المقدسة'.
وبين أن 'الوزارة تعمل على إعداد جدول يضم جميع القطع الأثرية التي تم سرقتها منذ عام 67 ولغاية اليوم، للعمل على استرجاعها بموجب الالتزامات التي حددها القانون الدولي، كما أن هذه القطع ستكون ضمن الاتفاقيات التي ستنتج عن مفاوضات الحل النهائي، بالإضافة إلى أن هناك أيضا متابعة مع منظمة 'اليونسكو' حول عمليات السرقة وتدمير المواقع الأثرية واستخدامها لأغراض الاستيطان'.
zaرشا حرزالله
لسنوات طويلة، ظلت حجارة قصر آل طوقان في البلدة القديمة من مدينة نابلس عصية على الانهيار بالرغم من القصف الإسرائيلي.
غير أن أقواس هذا القصر لم تستطع الصمود لأكثر من أربع دقائق بأدوات لصوص الآثار، الذين أقدموا تحت جنح الظلام على سرقة حجر أثري مزخرف من الباب الرئيسي له.
سعد المصري (39عاما)، عاد من عمله في أحد الحمامات التركية القديمة عند الخامسة فجرا، حيث صادف بالقرب من منزله في حارة القريون، خمسة أشخاص مسلحين، يقومون بعملية هدم للحجر المقوس الذي يعلو الباب الرئيسي للمنزل الذي تقطنه إحدى العائلات.
يقول المصري: 'صادفت خمسة أشخاص مسلحين بأسلحة وعتاد ثقيل، عندما شاهدوني قاموا بإطلاق 4 رصاصات تجاهي، وقالوا لي (روح ع البيت)، لم أستطع التعرف عليهم كونهم كانوا يرتدون أقنعة سوداء، اتصلت على العديد من الجهات الأمنية، غير أنهم فروا مسرعين من المكان، وبعد تفقدي لمكان الهدم، وجدت أنهم قاموا بسرقة حجر كبير مزخرف من قصر آل طوقان'.
هذه الحادثة أثارت الشك لدى البعض بأن تكون قوات الاحتلال أقدمت على سرقة الحجر، غير أن المصري أكد لـ'وفا' عدم تواجد أي من الجيبات الإسرائيلية في تلك الليلة داخل البلدة القديمة، وتحديدا حارة القريون، موضحا أن سكان الحي استيقظوا على صوت إطلاق الرصاص، كما أن أحد المواطنين مر بالصدفة من المكان وشاهد ما حدث.
وقال المصري، بدأ الخوف يتملك سكان البلدة القديمة فور سماعهم بما جرى، وأصبحوا يخشون على حياتهم، لأن ما حدث كاد أن يودي بحياتي، مطالبا الجهات المعنية بضرورة إيجاد حل سريع يطمئن المواطنين في البلدة القديمة.
مدير الشرطة السياحية في نابلس حسن نعيرات أكد لـ'وفا' أن مجموعة مسلحة قامت بسرقة حجر منقوش، قائلا إنها المرة الأولى التي تجري فيها عملية سرقة آثار بهذه الطريقة 'الاحترافية'، وفور تلقي الشرطة للبلاغ باشرت تحركاتها للكشف عن الفاعلين، غير أن هناك عدم كفاية للأدلة التي قدمها الشهود.
وكشف عن وقوع حادثه سرقة مشابهة لقصر آل خماش في البلدة القديمة، حيث حاول مجهولون في وقت متأخر من الليل، سرقة أحد الأحجار الأثرية الثمينة، غير أنهم لاذوا بالفرار بعدما قام مواطنون بكشفهم، وتم إرسال قوة كبيرة للمكان من قبل الشرطة السياحية غير أنهم لم يستطيعوا القبض على اللصوص الذين فروا من المكان.
وأوضح أن الشرطة استعانت بشخصيا بارزة في البلدة القديمة لمساندتها في القبض على هؤلاء الأشخاص، كما أعطت تعليماتها لأكثر من جهة بضرورة مراقبة الأبنية والمواقع الأثرية التي من المتوقع سرقتها، وعن أي تحركات غريبة تجري بجانب هذه الأبنية.
وحول إمكانية أن يكون الفاعل هو الاحتلال، قال نعيرات، إن الشرطة أُبلغت في تلك الليلة عن وجود اقتحام لقوات الاحتلال، غير أن هذا الاقتحام لم يكن داخل البلدة القديمة، وتمكنا من التأكد من ذلك عبر التحقيقات التي أجريناها، مشيرا إلى أنه وحسب ما لدى الشرطة من معلومات فإن الحجر لا يزال داخل البلدة القديمة.
وقال: 'هؤلاء الأشخاص استغلوا وجود قوات الاحتلال في مدينة نابلس، وقاموا بسرقة حجر ثمين، وفي الفترة الماضية نشطت سرقة الحجارة المزخرفة والتراثيات وشجر الزيتون الرومي القديم، وبيعها للإسرائيليين، حيث يتم إعادة معالجتها في المحاجر واستغلالها في بناء المستوطنات ليثبتوا بذلك بأنهم أصحاب الأرض والحقوق'.
وبحسب مهندس البلدة القديمة نصير عرفات، فإن قصر طوقان بني بداية القرن الثامن عشر أي قبل حوالي 300 عاما، ويعد الأضخم من بين القصور التاريخية والتراثية في فلسطين، حيث يضم ثلاث ساحات داخلية بالإضافة إلى حديقة بمساحة 5 دونمات، وغرف ضيافة مشيرا إلى أقوال شخصية نابلسية قديمة إن أكثر من 1000 جندي عثماني كانوا ينامون داخل القصر.
وبحسب القائم بأعمال مدير دائرة الآثار في وزارة السياحة والآثار في نابلس محمود البيراوي فإن نابلس تضم 1200 معلما أثريا موزعة على 266 موقعا، تعرضت اغلبها للنهب والسرقة، ومنها ما تم ضبطه، ومنها ما تم تهريبه إلى القدس أو إلى الخارج، وعملية استرجاعها تحتاج إلى تدخل على المستوى السياسي.
وقال إن أكثر المناطق التي تعرضت للسرقة هي سبسطية كونها غنية بالآثار، كذلك المناطق 'C' التي تخضع للسيطرة الإسرائيلية، وغالبية التنقيب والسرقة تتم بحماية من الاحتلال، غير أنها تراجعت في المناطق الخاضعة لسيطرة دولة فلسطين.
وكيل وزارة السياحة والآثار حمدان طه قال بدوره، إن عام 1967 شهد تصاعدا في عمليات سرقة الآثار نتيجة انفتاح الأسواق الإسرائيلية الذي شجع عبر محفزاته التي من خلالها فتح المجال لتجار الآثار بالتنقيب والنبش بطرق غير قانونية، ما أدى إلى زيادة الطلب على المواد الأثرية.
وقال، هناك ملايين القطع الأثرية التي تم سرقتها منذ عام 67، وهناك معطيات لدى الوزارة بأن نحو 100 ألف قطعة سنويا كان يتم سرقتها منذ العام المذكور، مؤكدا أن أكثر من 85% منها تم تهريبها إلى الخارج، وكانت تدار من قبل تجار ووسطاء فلسطينيين، وتصل إلى مراكز إسرائيلية ومن ثم تهريبها، معتبرا أن خطر هذه الظاهرة لا يكمن فقط في التجارة غير المشروعة بالآثار، بل بتدمير المواقع الأثرية بعد سرقتها.
وأضاف، هناك عشرات الآلاف من القطع التي تم الكشف عنها في سياق التنقيب الذي تقوم به إسرائيل في نحو ألف موقع أثري داخل حدود 67، بالإضافة إلى ما تم حجزه في متحف فلسطين للآثار والمعروف بإسم 'روكفلر' -وهو أقدم متاحف الآثار في الشرق الأوسط ويقع في القدس الشرقية، ويضم آلاف القطع الأثرية التي تم اكتشافها نتيجة الحفريات التي أجريت في فلسطين في عهد الانتداب البريطاني، وقامت إسرائيل بالاستيلاء عليه بعد حرب 67.
وحول ما إذا كانت هذه العمليات منظمة، قال طه إنه قبل مجيء السلطة الوطنية كان هناك مجموعات شبه منظمة تقوم بعمليات التنقيب، وتمت غالبيتها بسبب الضائقة الاقتصادية والحصار غير أنه وبعد عام 1995م، وتأسيس دائرة وطنية تعنى بالآثار، بدأت الوزارة تحارب ظاهرة النهب والسرقة والاتجار حيث كان هناك عدم وعي من قبل المواطنين بقيمة هذه الآثار التاريخية، ولذلك بدأنا بعمليات توعية من خلال إظهار هذه القيمة على اعتبارها جزء من الهوية الثقافية، التي تسهم في إحداث التنمية السياحية ويتوجب الحفاظ عليها.
'القدس أكثر المناطق المتضررة من السرقة والنهب'، يقول طه، ويضيف، 'إسرائيل تحاول تغيير طابعها الديني والتاريخي العربي، عبر التنقيب الكبير الذي تقوم به، وشق الأنفاق وتقديم معلومات مضللة وكاذبة عن المدينة المقدسة'.
وبين أن 'الوزارة تعمل على إعداد جدول يضم جميع القطع الأثرية التي تم سرقتها منذ عام 67 ولغاية اليوم، للعمل على استرجاعها بموجب الالتزامات التي حددها القانون الدولي، كما أن هذه القطع ستكون ضمن الاتفاقيات التي ستنتج عن مفاوضات الحل النهائي، بالإضافة إلى أن هناك أيضا متابعة مع منظمة 'اليونسكو' حول عمليات السرقة وتدمير المواقع الأثرية واستخدامها لأغراض الاستيطان'.