الاحتجاج الذرائعي المفتعل- عادل عبد الرحمن
قامت حكومة نتنياهو برفع شكوى لممثل الولايات المتحدة، مارتن اندك، ادعت فيها ان المفاوضين الفلسطينيين يسربون ما يجري داخل غرف المفاوضات!؟
المراقب حين يسمع مثل هذه الحركات الاسرائيلية، التي لا تنم عن حد ادنى من الذكاء، بقدر ما تنم عن غباء واستعباط واستهبال لأي عاقل سياسي، يخلص الى نتيجة منطقية، ان الاحتجاج الاسرائيلي ذريعة مفتعلة لا تمت للحقيقة بصلة. لا سيما ان المفاوضات ما زالت حتى الآن، رغم مرور الشهرين، لم تتقدم قيد انملة للامام في اي ملف من الملفات الاساسية. اضف الى ان من يقوم بشكل دوري ومتواصل بنشر اخبار المفاوضات والتعليق عليها من وزراء وقادة احزاب واعضاء كنيست ومسؤولين امنيين، هم القادة الاسرائيليون. ولا يتركون شاردة ولا واردة إلا ويعلقون عليها حتى لو كانت مجرد خبر عابر، مثل ما طرح اخيرا، ان حكومة نتنياهو ستصدر (5000) تصريح للعمال الفلسطينيين كعربون لتحفيز القيادة الفلسطينية، ما كاد الخبر ينشر، حتى قامت قيامة اعضاء الليكود والبيت اليهودي واسرائيل بيتنا وغيرهم من قطعان المستوطنين برفض مبدأ الحوافز، وأرغمت الحكومة اليمينية المتطرفة، للتصريح، بأن موضوع التصاريح للعمال لا علاقة له بالحوافز!؟
وهناك العديد من القضايا، التي رشح ان لها علاقة بما يجري في المفاوضات، قامت القيادات الاسرائيلية من مختلف الاوزان والاحجام والالقاب والاحزاب والكتل لتعلن عن رفضها، فضلا عن قيامها بسلسلة انتهاكات خطيرة ضد عملية السلام، وآخرها، كانت بالامس مشاركة ارئيل، وزير الاسكان الاسرائيلي في مظاهرة مع قطعان المستوطنين ضد خيار السلام؛ كما قام هو ذاته باقتحام المسجد الاقصى مع مجموعة مارقة من المستعمرين. ورئيس الكنيست يولي ادلشتاين ايضا، اعلن انه لا يتوقع قيام دولة فلسطينية. وحدث ولا حرج عن ليبرمان وتحريضه على الرئيس عباس، وخيار الدولتين وعملية السلام من حيث المبدأ.
الاحتجاج الاسرائيلي يعرف القاصي والداني انه احتجاج مفتعل، ولا يمت للحقيقة بصلة, ويندرج ايضا تحت يافطة: الحرب المعلنة على عملية السلام، حيث تقوم إسرائيل بفتح جبهات عديدة في آن واحد، لدفع القيادة الفلسطينية لاغلاق باب المفاوضات، ومن ثم تقوم حكومة إسرائيل بتحميلها المسؤولية عما آلت إليه الامور.
الكل يعلم ان الاستيطان لم يتوقف، لا بل تضاعف مع شروع عملية المفاوضات، واعلان العطاءات ايضا ازداد وتوسع للبناء في المستعمرات المقامة على الاراضي المحتلة عام 1967، وبناء وتشريع بؤر استيطانية جديدة متواصل ومستمر، واعتقالات تزداد، واجتياحات للمدن والمخيمات الفلسطينية تتصاعد، وكان آخرها في مخيمي جنين وقلنديا، وسقط أربعة شهداء عدا الجرحى، وتجري مطاردة انصار المقاومة الشعبية...إلخ بالتزامن والتلازم مع سياسات الحكومة الاسرائيلية، وتقوم قطعان المستوطنين بشن سلسلة من عمليات النهب والتخريب لممتلكات المواطنين وحقولهم وسياراتهم ومساجدهم وكنائسهم، كل ذلك يتم بالتناغم والتوافق بين برنامجي الحكومة ومجلس الاستيطان تحت عناوين مختلفة، لعل ابرزها "تدفيع الثمن"، والهدف واحد، هو دفع القيادة الفلسطينية دفعاً الى الانسحاب من المفاوضات، لتحميلها المسؤولية عن نتائج ذلك، وتحريض اميركا ودول العالم وخاصة اقطاب الرباعية عليها، ومن ثم قطع عمليات الدعم المالي واللوجستي للقيادة والمشاريع الفلسطينية، وبالمقابل، ترك الباب مفتوحا على مصراعيه امام سلطات الاحتلال الاسرائيلية لتجتاح الاراضي الفلسطينية ونهبها دون اي وازع، وقطع الطريق على خيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران عام 1967.
وللأسف، تصب في هذا الاتجاه، المساعي التي قام بها مؤخرا وزير الخارجية الاميركي، الذي طالب دول الاتحاد الاوروبي بالتريث في تنفيذ قرارها فيما يتعلق بالعقوبات المقررة على المستعمرات المقامة في الاراضي المحتلة عام 1967. وكأن لسان حال كيري ورئيس ادارته، ان ما يحق لاسرائيل لا يحق للفلسطينيين، وعلى دول العالم وخاصة الغرب الرأسمالي الاوروبي ان لا يحيد عن الرؤية والبوصلة الاميركية وما تريده الايباك والحركة الصهيونية. مع ان ادارة اوباما تعلم علم اليقين، ان الاحتجاج والسياسات الاسرائيلية الاعلامية والسياسية والامنية والاستعمارية، تسير بخطى حثيثة وفق برنامج عمل منهجي لاستئصال جذور حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران عام 1967.
إذن على اميركا ان كانت معنية بخيار السلام، ان تقول لاسرائيل بالفم الملآن، كفى بلطجة وتزويراً للحقائق، وما هو مسموح لكم في نقاش وطرح كل القضايا المثارة في المفاوضات، هو من حق القيادة الفلسطينية ان تدرس مع اركان القيادات الوطنية كل ما يجري في داخل الغرف المغلقة، لأن هذا حقهم، وما يجري يتعلق بمصيرهم. ليس هذا فحسب بل ومطالبتهم بوقف كل الاجراءات والانتهاكات الاستعمارية من مصادرة وتهويد واعلان عطاءات وتشريع للبؤر الاستيطانية. وهذا لا يتم إلا بتصعيد العقوبات على الدولة الاسرائيلية كلها، لالزامها باستحقاقات حل الدولتين على حدود 1967.
a.a.alrhman@gmail.com