بعض "حماس" ومسعى تصالحي- عدلي صادق
هناك حراك، يضطلع به، بعض كبار الحمساويين، ومعهم مستقلون من التيار الإسلامي، يتوخى التوصل الى اتفاق على التوجه التدريجي الى شراكة في "إدارة" غزة. والتقط رئيس حكومة الأمر الواقع في غزة، إسماعيل هنية، هذه الظاهرة المستجدة، ليعلن عن استعداد "حماس" لإشراك فصائل وطنية في هذه "الإدارة"!
وإننا إذ نقدر الدوافع الموضوعية التي جعلت هؤلاء يأخذون هذه الوجهة وأهمها الإحساس بعقم المحاولات التي جرت حتى الآن لتحقيق المصالحة، وانسداد الأفق العام ؛ يهمنا أن نضع النقاط على الحروف، في مقالات رأي بين الحين والآخر، على اعتبار أن النقاش الموضوعي المعمق، ومخرجاته التي ستتوافر من خلال حُسن النوايا والحرص الحقيقي على وحدة الموقف الفلسطيني ووحدة كيانيته السياسية وأراضيه؛ هو ضمانة النجاح لأي مسعى تصالحي!
لا نعلم في الحقيقة، من هو صاحب وصف المسعى بأنه يتوخى الشراكة في "الإدارة". وهذا يذكرنا بعرض إسرائيلي على الفصائل، في ذروة أحداث الانتفاضة الأولى، بأن تأخذ الفصائل دوراً في إدارة غزة. فقد كان ذلك العرض، يهدف الى إفراغ أهداف الانتفاضة الشعبية من مضامينها السياسية والاستقلالية، كما يهدف الى تهدئة اللعب، لكي يلتقط الاحتلال أنفاسه، ويُشغل الفصائل بتفصيلات الإدارة ويشغلها ببعضها البعض، ويفتح الأبواب على مصاريعها لتعارض الاجتهادات والمواقف والغنائم. وبالطبع، رفضت القوى الفلسطينية ذلك العرض، الذي كان دون سقف مطالبها بكثير، ولا يمس من قريب أو بعيد، مسألة وجود الاحتلال والاستقلال الوطني. و"حماس" اعتمدت للأسف، منذ انقلابها، الكثير من التكتيكات والأساليب الإسرائيلية، في الاستدعاء والتحقيق ومنع السفر، والشدة الضرائبية، وحتى على صعيد سلوك العناصر الأمنية وتجهيز مكاتبها وصياغة لغتها، وتنكرها حتى للروابط الاجتماعية والعائلية، وكأنها من فضاء اجتماعي وعائلي آخر. فقد كانت في تلك المحاكاة الشاملة لأساليب الاحتلال، تتوقع بسط السيطرة وكتم أنفاس الجمهور الى يوم القيامة، وتعطيل حراكه الشعبي، وهذا ما لم يتحقق للاحتلال، ولن يتحقق لـ "حماس" وهي تتطلع الى هيمنة أبدية يظل الناس حيالها صاغرين!
على الرغم من ذلك، ليس في وسع أي إنسان وطني، إلا الاستجابة لأي مسعى تصالحي مهما كانت دوافعه. لكن تغييب محددات الاتفاق الذي توصل اليه طرفا الخصومة؛ ليس مدخلاً مناسباً يبشر بالخير، ثم إن الشراكة في "إدارة" غزة، ليست هي نفسها الشراكة في الحكم وفي النظام السياسي، الذي يحدد أهدافه بشكل واقعي ووطني، لا يختلف حوله المتنافسون على مركز إدارة حياة المجتمع، أي الحكومة التي تمثل السلطة التنفيذية.
صباح أمس، هاتفني من غزة، أحد أقطاب هذه "المبادرة" من التيار الإسلامي، وقال ما معناه ان اسماعيل هنية ليس هو صاحب الطرح وإنما الرجل حرص على أن يكون سباقاً الى الإعلان عنه قبل اكتمال صياغة الخطة التي ستُطرح كمبادرة. وفهمت أن من بين أصحاب هذا المسعى، عدة رموز من "حماس" وهذا جيّد. وشرح مُهاتفي مقاربة للتوجه التدريجي الى الشراكة، فقال يمكن أن نبدأ بوزارة، أو بالمعبر، ثم نتدرج لكي تكتمل عملية الشراكة. وعندما طالبني الأخ الكريم، بتأييد هذا المسعى؛ قلت له إن هناك مسلتزماً موضوعياً، هو الذي سيحدد موقفي من هكذا طرح، وهو أن يتحدد إطار هذه الخطة وهدفها، على قاعدة العناصر الرئيسة لقيام الكيانات لا قيام الإدارات. وسمعت من صديقي روحي فتوح، ملاحظة مهمة، وهي أن أي توجه نحو المصالحة التي نتوخاها جميعاً، يتطلب حواراً استراتيجياً فلسطينياً. وبالفعل، إن الحوار الاستراتيجي الفلسطيني، هو وحده الذي يحسم الخلاف حول طبيعة الكيانية وشروط قيامها، وحول طبيعة المرحلة ومتطلباتها، قياساً على ظروفنا وعلى ما نمتلك من عناصر القوة، وعلى أوضاع الإقليم والعالم. كذلك فإن الحوار الشامل والمسؤول، هو الذي يحدد تعريفات المفاهيم. فقبل أن أذهب الى محاولة لاستعادة وحدة النظام السياسي، ينبغي الاقتناع بأن رؤية الطرف الآخر باتت ناضجة وجاهزة للبرهنة على جداراتها في المشاركة، وعلى تقبلها للعملية الديموقراطية، وعلى أنها ليست ذات نوايا إقصائية، مثلما ليس عند الآخرين الذين أتاحوا لها المشاركة والفوز في انتخابات 2006 النوايا ولا الحق في إقصائها.
ستكون لنا في سطور أخرى ــ بإذن الله ــ آراء تتعلق بمحاور النقاش الشامل والمسؤول. فالمصالحة، على أسس دستورية وقانونية، وفي إطار توافق على طبيعة المرحلة وموازين القوى وعلى تحديد الهدف الوطني العام؛ باتت أم الأمنيات. أما الخطوات المرتجلة، تحت عناوين "الإدارة" فهذه تجلب الانتكاسة وتكرّس اليأس والقنوط، وتفتح الباب لمماحكات ليس لها أول ولا آخر، وتخفّض سقف السياسة وتتحايل على الطموح الفلسطيني لوحدة النظام السياسي، ولضمانات استقراره ورسوخه!
adlishaban@hotmail.com