قراءة اوسلو بعد عقدين-عادل عبد الرحمن
تصادف هذه الايام مرور عقدين من الزمن على التوقيع على اتفاقيات اوسلو بين منظمة التحرير الفلسطينية وحكومة إسرائيل في البيت الابيض الاميركي في مشهد إحتفالي مهيب، وبحضور دولي شكلي كبير.
عشرون عاما مضت في سَّفر اتفاقية أوسلو لبلوغ حل سياسي يطوي صفحة الصراع ، ويفتح الافق على منح الشعب العربي الفلسطيني بعض حقوقه الوطنية المتمثلة في إقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وضمان عودة اللاجئين الى اراضيهم التي طردوا منها عام 1948، وخلق مناخ التعايش والتطبيع بين دول المنطقة بما فيها دولة إسرائيل. لكن دولة التطهير العرقي الاسرائيلية بسياساتها العدوانية، حالت دون تحقيق اي تقدم، ليس هذا فحسب، بل ان ما اسهمت به اتفاقية اوسلو من انجازات متواضعة للفلسطينيين، قامت حكومة اريئل شارون عام 2002 باستباحتها، واعادت إحتلال المدن والقرى وفرض منطقها وخيارها الاحتلالي الاستيطاني الاستعماري تحت حجج وذرائع واهية، بدعم وتأييد مفضوح من قبل إدارة بوش الابن.
لا يمكن للمراقب الموضوعي ان ينكر، ان اتفاقيات اوسلو حملت بعض الايجابيات، منها : 1- الاعتراف الاسرائيلي بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني؛2- الاقرار الصهيوني والاميركي المبدئي بالحقوق الوطنية الفلسطينية ؛3- عودة قرابة النصف مليون مواطن من الشتات الى ربوع الوطن؛ 4- إقامة اول كيان سياسي فلسطيني (السلطة الوطنية) كمقدمة للدولة الفلسطينية المتمناة؛5- انقذ رأس القيادة والثورة عموما من شبح مقصلة الموت المحتم، لاسيما وان المناخ العربي والاقليمي والدولي يتجه نحو ذلكن لو لم تقوم القيادة بتدوير الزوايا، لايجاد موطىء قدم في المعادلة الجيوسياسية؛ 6- سمح للفلسطينيين تهيئة الشروط الملائمة (مؤسسات وكوادر) لبناء الدولة؛ 7- فشل الرواية الصهيونية في تزوير الوقائع، وتراجعها عن حلم دولة إسرائيل من النيل للفرات، وحتى دولة إسرائيل في نطاق فلسطين التاريخية، مع ان محاولاتها مازالت جارية حتى الان.
رغم ما تقدم، بيت القصيد من اثارة الموضوع، يكمن في تسليط الضوء على النواقص والاخطاء والمثالب، التي نتجت عن الاتفاقية البائسة ، وتتمثل في الاتي:
اولا الاتفاقية عكست موازين القوى ، التي كانت قائمة آنذاك. والتي هي في صالح إسرائيل، وجاءت متناسبة مع التحولات الدراماتيكية في العالم والمنطقة، حيث تم تدشين عصر جديد، هو عصر العولمة الاميركية المتوحشة مع إنهيار الاتحاد السوفيييتي ومنظومة الدول الاشتراكية، ترافق مع ذلك تضعضع النظام السياسي العربي الرسمي بشكل مريع بعد إجتياح العراق للكويت، وتوجيه الضربة الثلاثينية لنظام صدام حسين.
ثانيا الخشية على الذات السياسية عند القيادة عموما والفريق الفلسطيني المفاوض ( الذي للاسف كان آنذاك لا يمتلك ناصية علم التفاوض، ولا مهارة التفاوض) دفعته لتقديم تنازلات خطيرة، مست لليوم وللغد بمستقبل المشروع الوطني الفلسطيني. حيث جاءت الاتفاقية مبهمة وضبابية وغير محددة المعالم، وكل نقطة فيها تحتاج الى تفسير فقهي وقانوني وسياسي. سمحت لاسرائيل إستباحة كل معلم ايجابي في الاتفاقية.
ثالثا الاقرار بالتفاوض الثنائي الفلسطيني / الاسرائيلي دون وجود غطاء الشرعية الدولية، ودون التسلح بالقانون والمواثيق والشرائع الدولية ذات الصلة بالقضية الفلسطينية، منح حكومات إسرائيل المتعاقبة اليد الطولى في تحديد ما تريد وما لا تريد. وجعلها (إسرائيل) صاحبة القول الفصل في كل صغيرة وكبيرة، وبقيت الولايات المتحدة، الراعي الاول لعملية السلام متواطئة وحتى اللحظة مع دولة إسرائيل على حساب المصالح الوطنية العليا للشعب العربي الفلسطيني.
رابعا تأجيل القضايا الاساسية للصراع لما بعد المرحلة الانتقالية، التي مازالت حتى الان (مع ان زمنها المحدد حدد بخمس سنوات فقط) وهي قضايا: اللاجئين ، القدس، المستوطنات، الحدود والمعابر، الامن، الثروات الطبيعية والاسرى، افقد القيادة الفلسطينية القدرة على الدفاع عن حقوق شعبها، وبرنامجها (مشروعها) الوطني، واعطى الحكومة والمفاوض الاسرائيلي إمتيازا إستعماريا على حساب مصالح الشعب.
خامسا القبول غير المعلن من قبل القيادة الفلسطينية لمواصلة إسرائيل الاستيطان الاستعماري في الاراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 في الوقت الذي كانت تجري، ومازالت تجري فيه المفاوضات، ساهم في تعميق الخيار الاستعماري الاسرائيلي، وضيق الخناق على المشروع الوطني. واي حديث عن مطالبات فلسطينية معلنة هنا وهناك لوقف الاستيطان الاستعماري، بقدر ما هو صحيح، بقدر ما ضعيف، لان الناظم للعلاقة بين الطرفين(اتفاقية اوسلو) ابقت الباب مشرعا للاستيطان. والقبول بتأجيل بحث القضايا الاساسية للمرحلة النهائية كان ايضا يصب في ذات الاتجاه.
سادسا القبول الفلسطيني بان الاراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، أراض متنازع عليها، قصم ظهر المصالح الوطنية الفلسطينية، وايضا القبول بتقسيم الاراضي الفلسطينية المحتلة ل( Aو BوC) سمح للاحتلا ل الاسرائيلي بالسيطرة على الغالبية العظمى من الاراضي الفلسطينية، وترك الجماهير والاراضي الفلسطينية تحت سيف سلطات الادارة المدنية الاستعمارية .ورغم ان القرار الدولي بارتقاء مكانة فلسطين كدولة مراقب في الامم المتحدة نوفمبر 2012، شكل رافعة للمصالح الوطنية في هذه النقطة، إلآ ان القيادة حتى الان لم تستفد من هذا البعد الاممي. والدليل العودة للمفاوضات لبحث كل الملفات الاساسية من نقطة الصفر قبل شهرين مع حكومة نتنياهو، يكشف العجز في الاستفادة من البعد الاممي في المفاوضات، لان الرعاية الاميركية، لا تشكل داعما حقيقيا للحقوق الوطنية ، لا بل تشكل عامل ضغط على القيادة الفلسطينية لتقديم تنازلات لصالح إسرائيل.
سابعا عدم الافراج الفوري والمباشر عن اسرى الحرية كلهم في عام 1994 مع نشوء مؤسسة السلطة الوطنية، والقبول بالفيتو الاسرائيلي، عدم الافراج عن الاسرى، الذين "تلطخت" ايديهم بالدم اليهودي، شكل إنتقاصا من الحقوق الوطنية، وقبولا بالمنطق الاسرائيلي العدواني، واعتباره "معيارا" للصح والخطأ، للعدل واللاعدل!!! وحتى الاتفاق الاخير بالافراج عن ال (104) اسرى الذين اعتلقوا قبل اوسلو مع العودة للمفاوضات الجديدة، فيه قبول بمواصلة المعايير الاسرائيلية والاميركية المعادية، وغير المعنية اابدا بالمصالح الوطنية العليا.
ثامنا القبول بفرض الغلاف الجمركي الاسرائيلي على اراضي الحكم الاداري الذاتي، الذي مازال جاثما حتى الان، ابقى الاقتصاد الوطني الفلسطيني في دائرة المحوطة والتبعية للاقتصاد الاسرائيلي. ولم يتمكن الاقتصاد الوطني من النهوض حتى الان وبعد عشرين عاما على الاتفاقية المشؤومة. ومع ان مدة إتفاقية باريس خمسة اعوام إلآ ان بنودها ونواظمها ، هي التي تحكم العلاقات الفلسطينية / الاسرائيلية حتى اللحظة، وفي هذا خلل فاضح ومعيب.
تاسعاعدم التعرض لقضية ابناء فلسطين المتجذرين في ارض الاباء والاجداد داخل الخط الاخضر وحقوقهم السياسية والاجتماعية والاقتصادية، ايضا فيه غبن واضح لمصالح ابناء فلسطين. مما اشعرهم ان اوسلو لا يعنيهم، لا بل وجاء على حسابهم، وكأن القيادة تخلت عنهم
عاشرا إلزام القيادة الفلسطينية بالتنسيق الامني بما يسيء للاجهزة الامنية، لاسيما وان هناك إلتباس عند عامة المواطنين وحتى القوى السياسية، التي لم تعي حتى اللحظة اليات التنسيق الامني وحدوده الفاصلة بين المسألة الوطنية والخدمية المتعلقة بالمواطنين، وما يَّضر بالمصالح الوطنية ، او يثير الالتباس حول دور الاجهزة الامنية، وبما يشي وكأن الاجهزة حادت عن دورها التاريخي.
هناك عوامل اخرى عديدة تطال اتفاقية اسلو لم يتم التوقف امامها، ولكن شاء المرء تسليط الضوء على ابرز العوامل. فضلا عن ان حدود الزاوية لا تسمح بالاستفاضة. الاهم ان يلتقط صانع القرار والمفاوض الفلسطيني اهم النقاط للاستفادة من دروسها، لعل وعسى في المفاوضات الجارية يمكن إصلاح بعض افسدته اتفاقية اوسلو قبل عشرين عاما ..
a.a.alrhman@gmail.com