متى ستكتشف "حماس" أنها أخطأت كثيراً..! ...بقلم: أكرم عطا الله
مرة أخرى بعد أن فتح لثمانٍ وأربعين ساعة يعود معبر رفح للإغلاق ويعود قطاع غزة لسجنه الكبير الذي اعتاد عليه منذ أكثر من ست سنوات، كانت تكفي زيارة واحدة منذ ثلاثة أيام لنقطة العبور تلك لمشاهدة حجم الإهانة والإذلال التي يلعقها أبناء القطاع ...حالة من الازدحام الهائل لكتلة بشرية ضخمة كانت تؤبن مستقبلها الذي داسته أقدام السياسات والسياسيين وصراعاتهم، وأمام سياسات بات من الواضح أن صانعها كان آخر من يهمه مصالح الناس وهو يقررها.
حالة الذل التي رأيتها تفتح ملف المسؤولية عن هذا الوضع اللاإنساني الذي كتب على غزة وكيف تحولت إلى سجن كبير ومسؤولية السلطة الحاكمة فيها فغزة منذ سنوات تعيش على التنفس الاصطناعي وهي كومة من الأزمات المركبة فالوقود مشكلة والمعبر مشكلة والإسمنت أزمة والمعبر سيد الأزمات ومن أزمة إلى أخرى بانتظار حلم أو وهم يهبط إلى أزمة أكبر دون أن يستوقفنا ذلك أو يستوقف من تأبط غزة.
علينا ألا نعفي أنفسنا من مسؤولية هذه المعاناة كما اعتدنا دائماً أن نلقي التهمة على غيرنا فالحكم الجديد في مصر غاضب من حركة حماس لاصطفافها إلى جانب الإخوان المسلمين إعلامياً. فحركة حماس التي ذهبت بعيداً وسط حالة الاستقطاب قبل وبعد الثالث من يوليو وضعتنا ووضعت نفسها أمام إجراءات تترجم ذلك الغضب، فقد كان متوقعاً ألا تمرر مصر سكن وسائل إعلام فلسطينية مفترق رابعة ولا اتهام حكمها وحكامها الجدد من قبل الذين اندفعوا دون أن يفكروا بتبعات ذلك وثمنه الذي سيدفع من معاناة الشعب الفلسطيني.
فلو أغلقت بعض الأفواه لما أغلق المعبر، ولو لم يقف البعض بحدة إلى جانب الاصطفاف في مصر وتوقفوا عن نعت رجل مصر القوي "بالانقلابي" والخائن "بتفخيم الخاء" لما ذهبت مصر في معاقبة غزة إلى هذا الحد الذي ينزع عن سكان القطاع كرامتهم الإنسانية وينزع هيبة مصر من قبل الذين تعاقبهم دون أن يكون لهم دخل بتلك الصراعات، وقصة المعبر الأخيرة ربما تفتح كل التساؤلات على إصرار حركة حماس على حكم غزة متزامناً مع كل هذه المعاناة والأزمة أن الحركة تذهب بمواقف تزيد من وطأتها.
من يحكم شعباً عليه أن يتواضع في السياسات من أجل ذلك الشعب، المعارضة يمكنها أن تقول ما تشاء أما السلطة فالأمر مختلف فهي مسؤولة عن كل ما يلزم لجعل حياته أفضل والمواقف محسوبة ومن يريد أن يشطح في مواقفه بإمكانه أن يصطف في المعارضة ليقول ما شاء، وهذا يعيد للأذهان قصة عن ياسر عرفات يجب أن تشكل درساً لكل السياسيين ممن يتقدمون لحكم هذا الشعب البائس.
بعيد حرب بيروت قام القائد الفلسطيني الذي كان قد تحول إلى أسطورة للصمود بزيارة إلى الاتحاد العام للكتاب الفلسطينيين استقبله أعضاء اللجنة التنفيذية وبينهم كان فنان الكاريكاتير الأشهر ناجي العلي وحين دخل عرفات فاجأه ناجي الذي كان طهرانياً وشفافاً إلى أبعد الحدود وفما يفكر به قلبه يرسمه على الورق، كان الفنان غاضباً لأن عرفات كان مجاملاً كبيراً للزعماء العرب، ففاجأ الزعيم باللوم قائلاً، "أنت زعيم كبير وثوري ونقي وبطل كيف تقبّل رؤوس الزعماء العرب الخونة، فالثوري لا يقبّل رؤوس العملاء" ضحك ياسر عرفات محتضناً ناجي وقال له: يا ناجي لدي شعب يعيش في دولهم ويتحرك عبرها، مصالحه مرتبطة بمواقفنا، ومن أجله أنا مستعد لأقبّل أياديهم أيضاً" ...هذا الدرس الذي يجب أن يتعلمه كل من يتقدم لحكم الشعب فهو لا يحتمل مزيداً من الألم.
في الدول الفقيرة لا ينبع القرار السياسي من واقع معاناة ومصالح الشعوب المطحونة لأن السياسيين يعيشون في واقع منفصل عن هذه المعاناة وفي أكثرها بؤساً يركب المسؤولون أحدث السيارات ويتلقون وأسرهم أفضل العلاج ويتعلمون في أحسن الجامعات ويتقاضون رواتب عالية، هل سمعتم بمسؤول ينام دون عشاء؟ أو بمسؤول ينام دون كهرباء؟ وكثير من التساؤلات التي تعكس حالة الانفصال الذهني عن واقع البؤس.
تطلبت المصلحة الفلسطينية ألا يكون الفلسطيني جزءاً من حالة الاستقطاب في مصر وعدم التدخل والوقوف على مسافة واحدة من جميع الأطراف، وهو ما فهمته "حماس" متأخراً بعد أن أفاقت من صدمتها وانتبهت إلى أنها تحكم شعباً ولم تعد تجلس في مقاعد المعارضة وأن موقفها يحدد التعامل مع شعب يقع تحت حكمها فلم نكن راضين عن تغطيتها الإعلامية ولا عما يقوله خطباء المساجد ولا عما يكتبه كتابها لأننا سندفع ثمنه.
وقد هاجمنا بعض كتاب التيار الإسلامي بداية الأزمة، أرادوا منا أن نحمل موقفهم الذي ينطلق من مصلحة حزبية إخوانية بحتة وعبروا عن اندهاشهم في ذروة هجومهم على حكام مصر الجدد أننا لم نلتحق بالحملة ونصف ما حدث في مصر بالانقلاب، متناسين أن حافظ الأسد انقلابي ومعمر القذافي انقلابي وأن أبرز الانقلابيين في العالم العربي هو الأمير حمد بن خليفة الذي قام بالانقلاب على أبيه واستقبل في غزة استقبال الأبطال والفاتحين أو كأنه ابن شرعي للتراث الديمقراطي للماغنا كارتا، وبالمناسبة هؤلاء الانقلابيون هم من كانوا قادة محور "الممانعة" الذي فتت نفسه حين انقلبت قطر على هذا المحور الذي أهداها خدمة تقديمها للعالم العربي كدولة مقاومة وهي ليست كذلك.
ست سنوات وأكثر على حكم "حماس" والأزمات متلاحقة والحلول ترقيعية وربما يطول الحديث عن مستقبل جيل من الشباب دفع قرباناً على مذبح الحكم والصراع على السلطة والسياسات التي اتخذتها حركة حماس، والعلاقة مع الضفة والسلطة ومصر والمصالحة وتغيرات الإقليم وخاصة بعد هدوء العاصفة في مصر. يبدو أن حركة حماس قامت بمراجعة موقفها بعد هدوء العاصفة في مصر وكان التعبير عن تلك المراجعة خلال المؤتمر الصحافي الذي عقدته وزارة الداخلية لتعلن موقفاً حيادياً من الأحداث والوقوف على مسافة واحدة وغازلت الجيش المصري ولم تنس أن تتحدث عن الزعيم المصري التاريخي جمال عبد الناصر باحترام وهذه مراجعة مهمة، ولكن يجب أن تكون بداية لمراجعات كثيرة وأهمها الإدراك باستحالة الاستمرار بحكم غزة وحدها وهذا يتطلب الاندفاع أكثر باتجاه الجزء الآخر من الوطن .. الجزء الآخر من النظام السياسي نحو المصالحة فإما المصالحة أو المعاناة .. ومن حقنا أن نقول إننا لم نعد نقبل معاناة أكبر ..!
haحالة الذل التي رأيتها تفتح ملف المسؤولية عن هذا الوضع اللاإنساني الذي كتب على غزة وكيف تحولت إلى سجن كبير ومسؤولية السلطة الحاكمة فيها فغزة منذ سنوات تعيش على التنفس الاصطناعي وهي كومة من الأزمات المركبة فالوقود مشكلة والمعبر مشكلة والإسمنت أزمة والمعبر سيد الأزمات ومن أزمة إلى أخرى بانتظار حلم أو وهم يهبط إلى أزمة أكبر دون أن يستوقفنا ذلك أو يستوقف من تأبط غزة.
علينا ألا نعفي أنفسنا من مسؤولية هذه المعاناة كما اعتدنا دائماً أن نلقي التهمة على غيرنا فالحكم الجديد في مصر غاضب من حركة حماس لاصطفافها إلى جانب الإخوان المسلمين إعلامياً. فحركة حماس التي ذهبت بعيداً وسط حالة الاستقطاب قبل وبعد الثالث من يوليو وضعتنا ووضعت نفسها أمام إجراءات تترجم ذلك الغضب، فقد كان متوقعاً ألا تمرر مصر سكن وسائل إعلام فلسطينية مفترق رابعة ولا اتهام حكمها وحكامها الجدد من قبل الذين اندفعوا دون أن يفكروا بتبعات ذلك وثمنه الذي سيدفع من معاناة الشعب الفلسطيني.
فلو أغلقت بعض الأفواه لما أغلق المعبر، ولو لم يقف البعض بحدة إلى جانب الاصطفاف في مصر وتوقفوا عن نعت رجل مصر القوي "بالانقلابي" والخائن "بتفخيم الخاء" لما ذهبت مصر في معاقبة غزة إلى هذا الحد الذي ينزع عن سكان القطاع كرامتهم الإنسانية وينزع هيبة مصر من قبل الذين تعاقبهم دون أن يكون لهم دخل بتلك الصراعات، وقصة المعبر الأخيرة ربما تفتح كل التساؤلات على إصرار حركة حماس على حكم غزة متزامناً مع كل هذه المعاناة والأزمة أن الحركة تذهب بمواقف تزيد من وطأتها.
من يحكم شعباً عليه أن يتواضع في السياسات من أجل ذلك الشعب، المعارضة يمكنها أن تقول ما تشاء أما السلطة فالأمر مختلف فهي مسؤولة عن كل ما يلزم لجعل حياته أفضل والمواقف محسوبة ومن يريد أن يشطح في مواقفه بإمكانه أن يصطف في المعارضة ليقول ما شاء، وهذا يعيد للأذهان قصة عن ياسر عرفات يجب أن تشكل درساً لكل السياسيين ممن يتقدمون لحكم هذا الشعب البائس.
بعيد حرب بيروت قام القائد الفلسطيني الذي كان قد تحول إلى أسطورة للصمود بزيارة إلى الاتحاد العام للكتاب الفلسطينيين استقبله أعضاء اللجنة التنفيذية وبينهم كان فنان الكاريكاتير الأشهر ناجي العلي وحين دخل عرفات فاجأه ناجي الذي كان طهرانياً وشفافاً إلى أبعد الحدود وفما يفكر به قلبه يرسمه على الورق، كان الفنان غاضباً لأن عرفات كان مجاملاً كبيراً للزعماء العرب، ففاجأ الزعيم باللوم قائلاً، "أنت زعيم كبير وثوري ونقي وبطل كيف تقبّل رؤوس الزعماء العرب الخونة، فالثوري لا يقبّل رؤوس العملاء" ضحك ياسر عرفات محتضناً ناجي وقال له: يا ناجي لدي شعب يعيش في دولهم ويتحرك عبرها، مصالحه مرتبطة بمواقفنا، ومن أجله أنا مستعد لأقبّل أياديهم أيضاً" ...هذا الدرس الذي يجب أن يتعلمه كل من يتقدم لحكم الشعب فهو لا يحتمل مزيداً من الألم.
في الدول الفقيرة لا ينبع القرار السياسي من واقع معاناة ومصالح الشعوب المطحونة لأن السياسيين يعيشون في واقع منفصل عن هذه المعاناة وفي أكثرها بؤساً يركب المسؤولون أحدث السيارات ويتلقون وأسرهم أفضل العلاج ويتعلمون في أحسن الجامعات ويتقاضون رواتب عالية، هل سمعتم بمسؤول ينام دون عشاء؟ أو بمسؤول ينام دون كهرباء؟ وكثير من التساؤلات التي تعكس حالة الانفصال الذهني عن واقع البؤس.
تطلبت المصلحة الفلسطينية ألا يكون الفلسطيني جزءاً من حالة الاستقطاب في مصر وعدم التدخل والوقوف على مسافة واحدة من جميع الأطراف، وهو ما فهمته "حماس" متأخراً بعد أن أفاقت من صدمتها وانتبهت إلى أنها تحكم شعباً ولم تعد تجلس في مقاعد المعارضة وأن موقفها يحدد التعامل مع شعب يقع تحت حكمها فلم نكن راضين عن تغطيتها الإعلامية ولا عما يقوله خطباء المساجد ولا عما يكتبه كتابها لأننا سندفع ثمنه.
وقد هاجمنا بعض كتاب التيار الإسلامي بداية الأزمة، أرادوا منا أن نحمل موقفهم الذي ينطلق من مصلحة حزبية إخوانية بحتة وعبروا عن اندهاشهم في ذروة هجومهم على حكام مصر الجدد أننا لم نلتحق بالحملة ونصف ما حدث في مصر بالانقلاب، متناسين أن حافظ الأسد انقلابي ومعمر القذافي انقلابي وأن أبرز الانقلابيين في العالم العربي هو الأمير حمد بن خليفة الذي قام بالانقلاب على أبيه واستقبل في غزة استقبال الأبطال والفاتحين أو كأنه ابن شرعي للتراث الديمقراطي للماغنا كارتا، وبالمناسبة هؤلاء الانقلابيون هم من كانوا قادة محور "الممانعة" الذي فتت نفسه حين انقلبت قطر على هذا المحور الذي أهداها خدمة تقديمها للعالم العربي كدولة مقاومة وهي ليست كذلك.
ست سنوات وأكثر على حكم "حماس" والأزمات متلاحقة والحلول ترقيعية وربما يطول الحديث عن مستقبل جيل من الشباب دفع قرباناً على مذبح الحكم والصراع على السلطة والسياسات التي اتخذتها حركة حماس، والعلاقة مع الضفة والسلطة ومصر والمصالحة وتغيرات الإقليم وخاصة بعد هدوء العاصفة في مصر. يبدو أن حركة حماس قامت بمراجعة موقفها بعد هدوء العاصفة في مصر وكان التعبير عن تلك المراجعة خلال المؤتمر الصحافي الذي عقدته وزارة الداخلية لتعلن موقفاً حيادياً من الأحداث والوقوف على مسافة واحدة وغازلت الجيش المصري ولم تنس أن تتحدث عن الزعيم المصري التاريخي جمال عبد الناصر باحترام وهذه مراجعة مهمة، ولكن يجب أن تكون بداية لمراجعات كثيرة وأهمها الإدراك باستحالة الاستمرار بحكم غزة وحدها وهذا يتطلب الاندفاع أكثر باتجاه الجزء الآخر من الوطن .. الجزء الآخر من النظام السياسي نحو المصالحة فإما المصالحة أو المعاناة .. ومن حقنا أن نقول إننا لم نعد نقبل معاناة أكبر ..!