لا شرعية ولا مستقبل للاستيطان- يحيى رباح
من المؤكد أن أعضاء وفود الدول الذين كانوا متواجدين في قاعة الجمعية العامة للأمم المتحدة، الذين استمعوا بإصغاء يوم الخميس الماضي لخطاب الرئيس أبو مازن، ومهما كانت مواقفهم، وحتى أولئك الذين على علاقة منحازة مع إسرائيل، قد أجروا مقارنة سريعة، بين خطاب الرئيس أبو مازن الذي تجلت فيه أعلى درجات الوعي والالتزام والمسؤولية، مع الخطاب السياسي الصادر عن الحكومة الإسرائيلية ووزرائها سواء خطابات بنيامين نتنياهو الهروبية أو تصريحات وزير الإسكان الاستفزازية التي تصل إلى حد البلاهة والانفصام عن الواقع
لقد عرض الرئيس أبو مازن أمام الجمعية العامة ضرورة تحقيق السلام النهائي والدائم بين الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي، ومدى الالتزام الفلسطيني بهذا السلام، ومدى الشجاعة التي تحلت بها القيادة الفلسطينية في سعيها لتحقيق السلام القائم على حل الدولتين.
كما عرض مسلسل الاستفزازات الإسرائيلية التي قامت بها الحكومة الإسرائيلية منذ استوقفت المفاوضات في جولاتها الأخيرة، سواء على مستوى جنون الاستيطان، أو جرائم القتل والاعتقالات والملاحقات والسلوك الاستفزازي بكل تفاصيله المفجعة، وأكد أن تمسكنا بالمفاوضات مستمر، أي عدم الاستجابة لهذه الاستفزازات الإسرائيلية المكشوفة.
مشكلتنا في المفاوضات وخارج المفاوضات، أننا حتى هذه اللحظة لا نجد شريكاً حقيقياً للسلام الذي ننشده رغم أن هذا السلام الذي ارتضيناه ونسعى إليه مجحف أشد الإجحاف في نتيجته النهائية، فهو يعطينا نسبة اثنين وعشرين من المئة من فلسطين التاريخية التي عشنا فيها آلاف السنين وكانت أول أرض أشرق عليها التاريخ الإنساني، ولكن جوائز السلام لاتعد ولا تحصى، ويزيد لشعبنا الذي تعرض لظلم تاريخي لا مثيل له، وآخر شعب في الدنيا يخضع لآخر احتلال، أن يتحرر، وأن يلملم هويته، وأن تكون له دولته التي يساهم من خلالها مع البشرية في صنع الحضارة الإنسانية.
و اللاشريك الإسرائيلي الذي نتفاوض معه، يقدم نماذج غريبة لا شبيه لها في العالم، هذا اللاشريك يقف ضد التاريخ، يقف ضد المستقبل، مزروع في نقطة الصفر، ولا يستطيع أن يرى نفسه خارج نقطة الصفر، والأكثر شذوذاً من ذلك، أنه يعتد ويتباهى بقوة ليست قوته، بلق وقوة حلفائه، الذين يغدقون عليه، ويتسترون عليه، ويضعون نفوذهم كله رهن تصرفاته المجنونة، يخدعون أنفسهم باللحظة الراهنة، ولا يدركون أهمية الفرصة المتاحة بشكل جدي بأن السلام المعروض مقابل أبسط الحقوق الفلسطينية، دولة فلسطينية على حدود خمس فلسطين، هذا السلام يعني أن إسرائيل جزء من المنطقة بينما هي بعد خمس وستين سنة لم تستطع أن تكون جزءاً من المنطقة.
و لكنها ما تزال تهدر الفرص، وتضيع كل شيء، وتحتمي بجدار من الكراهية، ربما لأنها لا تعرف كيف تعيش بسلام.
إسرائيل، وعلى امتداد سنوات منذ نشأتها، كانت تكرر الأكذوبة التي لم يعد يصدقها أحد سواها، بأنها تعيش وسط محيط من الكراهية من يصدقها الآن.
لا أحد لأن الجميع يدركون بوعي عميق أن هذا الاحتلال الإسرائيلي لأرض الشعب الفلسطيني هو مصدر كل شر، فهل يوجد أحد في إسرائيل اليوم على استعداد أن يرفع صوته استجابة لفرصة السلام القائمة الآن، والتي يؤكد الجميع أنها تتراجع بسرعة كبيرة.
الرئيس أبو مازن أشار إلى هؤلاء، وناداهم، واستحثهم، ومازلنا ننتظر من يلبي النداء.