نكبات غزة تُتوَّج بزواج الأطفال- عبد الناصر النجار
إذا صحّت الصور المنشورة على واجهات أكثر المواقع الإلكترونية شهرة في العالم عن زواج طفلين في غزة، العريس (14 عاماً) (أو ربما أقل من شكله) والعروس أكبر قليلاً.. فإن هذا يعني تكريساً للصورة النمطية التي يُحاول البعض إلصاقها بالقطاع.
تثير الصور المنشورة الاشمئزاز والشفقة في آن واحد.. الشفقة على تلك العائلة التي تبدو شبه معدمة، إلاّ من أساسيّات العيش بحدودها الأقل من الدنيا.. ليتوج هذا الفقر بزواج الأطفال، ولا أدري كيف فكّرت العائلة فيه ومن أي منظور؟!
المتفحّص لصور هذا الزواج الغريب والمرفوض يلاحظ هذا.والطفل يبدو أنه لا يعرف حتى معنى الزواج، فكيف سيكون قادراً على تحمُّل مسؤولية عائلة، ومعرفة الأخطار الصحية والاجتماعية والاقتصادية المترتّبة مستقبلاً على هذا الزواج.
لست أدري عماذا يُحدِّث هذا الطفل أقرانه وهو يلعب الكرة معهم في الشارع، وماذا يقول عن زواجه وفيما يتحدثون؟!
والسؤال الآخر: كيف سمحت حكومة "حماس" بمثل هذا الزواج وأي مأذون شرعيٍّ تجرَّأ وعقد هذا القران المخالف للقانون الفلسطيني.. وللعادات والتقاليد والعرف؟!
السؤال المهم هو: ما الذي يحدث في غزة؟! وهل ساءت الأمور إلى هذا الحدّ الذي تصبح فيه العائلة بكامل مفهومها الاجتماعي والثقافي والإنساني مهدّدة. ألم يحاول أحد من الجيران أو الأقارب أو المسؤولين في المنطقة وقف هذه المهزلة التي تعدّت حدود الحي ثم المدينة ثم القطاع إلى فلسطين.. وفلسطين ليست هكذا بالمطلق.. وزواج الأطفال فيها أمر مدان ومستهجن.
لا أدري، أيضاً، ماذا فعلت المؤسسات النسوية والحقوقية في القطاع تجاه هذه المشكلة، وما هي الخطوات التي ستتخذها.. هل مثلاً سترفع قضية وتحاسب المأذون الشرعي والشهود؟..
وأتساءل، ألم يهتز ضمير المأذون الإنساني والديني الذي كتب العقد، وهو يرى الطفل الساذج يصافح والد العروس الذي يقول زوَّجتك ابنتي...!!!
إنه العيب بذاته.. إنها الكوارث الإنسانية التي لم نعتقد في يوم ما أنها موجودة في الشارع الفلسطيني.. كنا نفاخر أمام العالم بأننا البلد الأكثر تعلُّماً وثقافة، ووطنية و.. و.. و..
ولكن يبدو أننا نبالغ في هذه القضايا؟! هل فكَّر أي مسؤول في القطاع أو في المنطقة التي يعيش فيها هؤلاء الأطفال ما هو الرأي الذي تشكَّل عند ملايين الناس في هذا العالم عن قطاع غزة وفلسطين.. إن صورة سيئة مثل تلك المنشورة ربما نحتاج كفلسطينيين إلى سنوات لإقناع مَنْ شاهدها بأن مجتمعنا ليس كذلك.. وأن هذا الشذوذ في التفكير ليس سمة جماعية عند الشعب الفلسطيني، وأن سن الزواج في 90% من الحالات يتعدّى سنّ العشرين وحتى الثلاثين من العمر...
قطاع غزة لا ينقصه مثل هذه الصور، ولا تنقصه مثل هذه الزيجات المرفوضة أخلاقياً ودينياً ومجتمعياً..
القطاع مسكونٌ بكثير من النكبات والهموم، فلا يجوز أن نزيد من هذه النكبات والفجائع.