"كُتْابُ" فتح بين قواعد المنهج والسلوك السلطوي- جهاد حرب
تشير المنطلقات الفكرية التي وضعها الاباء المؤسسون في حركة فتح الى ملامح اساسية للوجهة الحاكمة في معالجة القضايا أو الظواهر الاجتماعية. لكن عدم تبني رؤية اجتماعية صريحة أو تبني ايديولوجي محدد يثير بين الفينة والأخرى، خاصة عند التصدي لقضايا اجتماعية أو تطوير فكر اجتماعي، اختلافا أو اختلافات مفاهيمية لمعالجة هذه القضايا مثلما حدث في نقاش قضية القتل على خلفية ما يدعى أو يسمى "الشرف" أو مقال "ثمر فلسطين ... وفوضى البلد... هي فوضى".
وان كنت أعتقد أن مثل هذه النقاشات مفيدة وصحيّة، وهي تؤسس لتطوير الرؤية الاجتماعية لحركة فتح وبرنامجها في اطار "توحيد" الناتج عن نقاش "محتدم" ما بين القطاعات أو التيارات أو الثقافات المتعددة الناشئة عن تعدد المواقع الجغرافية واختلاف البيئة الحاضنة "للمجتمعات الفلسطينية"، وان كان عدم تبني رؤية اجتماعية محددة في مرحلة التحرير الوطني قد ساهم في حماية الجبهة "الوطنية" الداخلية لحركة فتح والتحشيد لفكرة النضال الوطني إلا أنه بات من الضروري اليوم في اطار السلطة أو الدولة وضوح الرؤية الاجتماعية لتنعكس في وضع القوانين الناظمة لحياة المواطنين من ناحية وكذلك سلوك المؤسسات والأجهزة القائمة على انفاذ القانون.
وعودة على بدء، فإن المنطلقات الفكرية للآباء المؤسسين تضع "قواعد المنهج" لتطوير الرؤية الاجتماعية لحركة فتح والمدخل الاساسي أو القويم لبنائها، وهذة المنطلقات هي: (1) تعرف حركة فتح نفسها، في المبدأ العاشر، بأنها حركة وطنية ثورية أي أنها، أو بالأحرى هي، اداة للتغيير الجذري للواقع من خلال التمرد على الاحتلال والظلم أولا وتغير التقاليد والأعراف البالية وتطوير القيم المجتمعية ثانيا. وهي طليعية في التغيير مما يتطلب منها، ومن قياداتها وكوادرها/ اطاراتها ومناضليها ومناضلاتها، الاطلاع بالدور التنويري في قيادة عملية التغيير وتوجيه حركة المجتمع لا أن تنقاد خلف قوى اجتماعية ظلامية أو اعتبارها مسلمات ينبغي عدم المساس بها.
(2) هذان الامران "الوطنية الثورية والطليعية" منسجمان مع هدفها "الثالث" المتمثل بناء مجتمع تقدمي يضمن حقوق الانسان ويكفل الحريات العامة لكافة المواطنين. وضمان الحقوق والحريات يتطلبان رؤية تقدمية تحافظ على الانسان وترفض قتله بناء على خرافات أو ادعاءات، في كثير من الاحيان، وتعزز من سيادة القانون وعدم القبول بالفوضى او الفلتان الاجتماعي كما هو الامني.
(3) كما أن اقامة دولة ديمقراطية "الهدف الثاني" قائمة على العدل والمساواة ترفض التمييز والتسلط، وتشير الى الابداع وخلق المبادرات للتحرر الاجتماعي، وإنهاء السلطة القائمة على القبلية والنهج العشائري بإحلال النهج المؤسسي الذي يحفظ للدولة هيبتها ويضمن المساواة لمواطنيها.
(4) وفي الطريق لتحقيق المجتمع التقدمي والدولة الديمقراطية "تسعى الحركة للقاء كل القوى الوطنية"، ما يعني أن الحركة توسع من رقعة الوفاق والاتفاق مع القوى الوطنية؛ وإن صاحبتها اختلافات هنا أو هناك في مسائل سياسية أو في النظرة الاجتماعية، باعتباره وسيلة استراتيجية لاجتياز المعركة من ناحية، والاستفادة من أدوات التحليل الفكري الاخرى المستمدة من مقاربات علمية، كالماركسية على سبيل المثال، في صياغة أو تطوير البنى الاجتماعية.
بالمنطلقات الفكرية هذه وضع الأباء المؤسسون قواعد المنهج للتفكير التي توصف "بالسهل الممتنع" القادرة على الجمع والتطور والمرونة دون الكسر أو الانحراف، وهي بذلك ترفض بالمطلق السلوك السلطوي؛ بنعت الاخرين وكلامهم بالمخاتل أي الكاذب والمُرَاوِغ والمُخَادِع، أو الخَطَل أي الكلام الفاسد المضطرب أو التحامل والتخلف، باعتباره سلوكا غير قويم أو حصيف. وكذلك امتلاك كتابها السلطة لفرض معاييرهم وتضيّق مساحة الحرية باعتبارهم اداة سلطوية. وهنا ينبغي التفريق أو معرفة الخط الفاصل ما بين الكُتاب التنويريين والمحدثين وما بين أو ابواق السلطة الحاكمة "مفتي السلطان" الذين يصبحون "ملكيين أكثر من الملك" أي سلطويين أكثر من السلطة، ومدمرين أكثر من الفوضى.