في قاع المدينة- محمود ابو الهيجاء
احسنت وزارة الثقافة بالتعاون مع بلدية رام الله في اختيار هذا الشارع الصغير، وسط مدينة رام الله، لجعله معرضا للكتاب لثلاثة ايام احتفاء بيوم التراث الفلسطيني،انها فكرة خلاقة ان تذهب بالكتاب الى قاع المدينة، حيث الناس هنا، بالأعمار المختلفة والذائقات المتنوعة والمعارف المتباينة، يبحثون غالبا عن صور متخيلة، او حاجات ليست في البال...!!!
ولأن المكتبات باتت الى حد كبير كمثل ملتقيات نخبوية، فان حضورها في الشارع على هذا النحو الحميم، ما يكسر حاجز النخبوية ذاك، وحيث الكتاب على بسطات وكأنه من سلع السوق الاساسية، بل ان الكتاب الذي بات غريبا الى حد كبير في حياتنا، لا يريد وهو ينزل الى قاع المدينة بهذا الشكل، غير ان يلتقي بأهله واصحابه، لعلهم يكتشفون من جديد انه خير الجلساء واجملهم واكثرهم فائدة، في كل زمان ومكان، حتى وان لم يحصد المعرض مبيعات ملحوظة، فان وجود الكتاب على بسطة في شارع المشاة يجعل منه سلعة مألوفة، دونما غربة وغبار الرفوف العالية...!!!
الى جانب كل ذلك فان الكتاب على الارصفة، دلالة تطلع جميل للمدينة واهلها، لمعرفة تظل متنامية، في سبيل الحرية والتحرر، ومن اجل غد افضل في مجتمع اكثر رقيا في انسانيته وذائقته الجمالية.
الكتاب ليس بوابة للمعرفة والثقافة فحسب، وانما هو ايضا حصن حصين ضد التخلف والجهل حتى وان حمل افكارا قد لا تروق لنا وقيم قد لا نتفق معها، لكنه يظل والحالة هذه، كاشفا لنا عن ما لا نعرفه، او منيرا لنا الطريق كي نعرف كيف نختلف ونعترض وننتقد وصولا الى تبيان الخيط الابيض من الخيط الأسود.
الأكثر اهمية في كل هذا السياق أننا في مرحلة التحرر الوطني، بحاجة دائما الى المعرفة الخلاقة، والى الثقافة الانسانية العميقة، والى الاشتباك الحر مع اسئلة الواقع والحياة، لأن طريق الحرية تتطلب الابداع عند كل ناصية ومفصل، الابداع في سبل النضال الوطني في مواجهة المحتل من جهة، والابداع في سبل مواجهة معضلات الواقع ومشكلاته الاجتماعية والاقتصادية وغيرها، لضمان مسيرة متعافية على هذه الطريق التي لاتراجع عنها.
شكرا لوزارة الثقافة على هذا المعرض في قاع المدينة، وشكرا لبلدية رام الله على تعاونها لجعل هذا المعرض ممكنا بهذه الصورة، والشكر موصول بالطبع لاصحاب الفكرة وداعميها ،، ورام الله بأرصفة تتوهج بحاملات المعرفة، اجمل وارقى.