حركة "حماس" ... مكابرة واعتراف - نبيل عمرو
حين حسمت حماس امرها، بالارتباط العضوي بجماعة الاخوان المسلمين، كان ذلك منطقيا بحكم الانتماء العقائدي والصلات التنظيمية، الا انه بالمقابل كان خطأً فادحا اثر على البعد الفلسطيني لها، هذا البعد.. يوفر لها هامش حركة ومناورة، تجعلها في وضع المستفيد من جماعة الاخوان المسلمين دون ان تكون مضطرة لدفع اثمان انتكاساتهم في بلدانهم. فهي وان كانت اخوانية الانتماء الا ان بوسعها التعامل مع التقلبات المتسارعة بمنطق حركة تحرر وطني ، لها مهمات تختلف عن مهمات الاسلام السياسي في الدول المستقلة.
كان متاحا لحماس ان تفعل ذلك، سواء حين كان الاخوان يعدون العدة للاستيلاء على الحكم في بلدانهم، او حين وصلوا الى الحكم، ثم حين اطيح بهم خصوصا في الموقع الام مصر ، كان متاحا لها ان تفعل ذلك، وان تتفهم من قبل جميع القوى المؤثرة في الجوار، الا انها اختارت رهانا آخر بدا في مطلع " الربيع العربي" كما لو انه منطقي وبديهي الا انه تحول الى عكسه ما ان توغل الاسلام السياسي في الحكم وفي السعي اليه.
قبل الاطاحة بحكم الاخوان في مصر، كانت حماس وبفعل رهانها المتسرع قد فقدت القاعدة الاهم في وجودها الوطني الفلسطيني وهي سوريا ، وتبع ذلك فقدان ايران ثم حزب الله، وحين وقعت الطامة الكبرى في مصر، وجدت حماس نفسها كمن خسر جميع الرصيد في ضربة واحدة ، ومهما قيل عن ترميم العلاقة مع ايران ومراجعة الحسابات مع سوريا الا انه المستحيل بعينه ان تعود الامور الى ما كانت عليه ، واقوال الاسد الاخيرة التي وصفت حماس بالحركة التي غدرت سوريا، تؤكد صعوبة الموقف حتى مع ايران وحزب الله.
حماس لم تعترف حتى الان بانها دخلت مأزقا فعليا، وحاولت ارسال اكثر من رسالة لمن يهمه الامر، بانها ما تزال في عنفوان قوتها ورسوخها، ولو ان هذه الرسائل كانت قليلة الاقناع لمن يحسب بقدر كاف من الموضوعية، الا انها عززت بسلوك يدل على حدة المأزق اكثر مما يؤشر على عدم وجوده، وذلك حين قامت بسلسلة استعراضات عسكرية في غزة وكأن لسان حالها يقول ان هذه البقعة الجغرافية المحاصرة والضيقة، هي العالم المتبقي لحماس، وبوسعها من ذلك المكان تغيير معادلات وخرائط.
بعض العقلاء والجريئين من انصار حماس وقادتها اقتربوا من الاعتراف الصريح بالمأزق ، وكادوا يلامسون مسألة جذرية في الامر حين اعتبروا ان حماس وفتح فشلتا كل في رهانه، وآن الاوان لولادة حركة وطنية جديدة ، ربما تكون خطاً ثالثا ...
واذا كانت فتح وحماس اختلفتا في الرهانات حد الاقتتال والانقسام والعداوة، فان المناداة بحركة وطنية جديدة ، تخرج من صلب هذه الحالة اليائسة، فيه قدر كبير من اللامنطقية، الا اذا كان لدى الفلسطينيين متسعا من الوقت يصل الى عقود، حتى يعيدوا ترتيب اوضاعهم وتوليد حركة وطنية بديلة عن حركة تكرست وتم الاعتراف بها بعد شلالات من الدم واجيال من المناضلين الشهداء والجرحى والى مدى زمني ربما يكون بدا في الثلث الاول من القرن الماضي.
ان توجها كهذا ولو فكريا .. يعني مزيدا من الابتعاد عن الواقعية السياسية في مسألة الخيارات وحتى الخروج من المآزق. فهنالك منطقة اكثر امانا كي يخرج الجميع من دائرة المآزق المستحكمة، هذه المنطقة تتسع للفشل والنجاح معا،انها بالضبط الاسراع في تأسيس شراكة بين جميع منتسبي الوطن، وشرط هذه الشراكة هو التخلي وبصورة نهائية عن وهم سيطرة طرف على الاطراف الاخرى، والمرشح الاساس لهذه " الصفقة" ان جاز التعبير هي مبادرة بهذا المعنى والوضوح من حركة حماس التي اوصلتها رهانات الربيع العربي، الى قلب المأزق خصوصا حين تقتنع حماس بان لا امل لها باستعادة الحلفاء وفي مقدمتهم الجدار المصري وهنا يصبح لزاما على حماس ان تعيد بعث الهامش الوطني الذي يصنفها كجزء من حركة تحرر وليست كفصيل من فصائل الاسلام السياسي الاوسع وذلك لا يكون بمحادثات كسب وقت مع فتح وغيرها ، بل بمبادرة تنطوي على قدر من الجرأة المعنوية. والاساس السياسي لهذه المبادرة هو ما كان مطلوبا من حماس قبل سنوات وما يزال مطلوبا منها ، وهو الشروع العملي بتصفية تركة الانقسام عبر عملية ديموقراطية كبرى تتجسد بالدخول المباشر في انتخابات رئاسية وتشريعية تكون نتائجها هي المؤهل الاقوى لمعالجة الوضع البائس الذي آلت اليه الحالة الفلسطينية باجمالها.
بعد ذلك ان فازت حماس فستفعل مثلما فعل اخوهم مرسي حين لم يتنصل من تركة السادات بل تحمس للحفاظ عليها ، وان لم تفز فبوسعها الحياة في موقع المعارضة وفق اصولها الديموقراطية والمؤسساتية .
هذا هو المخرج الممكن، ومهما بلغت صعوباته فانه يظل اكثر سهولة واقرب منالا من الهروب الكبير الى فكرة تأسيس حركة وطنية جديدة، فليس ضروريا تقويض حركة سياسية لفشل رهان بل بالامكان تعديل الرهانات.