العالم نحو قيادة جديدة -عادل عبد الرحمن
العالم في ضوء تراجع مكانة الولايات المتحدة العالمية، بسبب السياسات الهوجاء، التي ارتكبها صقور اليمين الجمهوري زمن جورج بوش الابن، عندما شن حربين على كل من افغانستان والعراق في مطلع القرن الحادي والعشرين، وأغرق جيوش اميركا في مستنقعات تلك الدول، واثقل كاهلها بالضحايا والخسائر العسكرية والاقتصادية والمالية، ومازالت حتى الآن تدفع الفاتورة عاليا، لانها لم تتخلص من نتائج تلك الحروب، وفاقم من زيادة غير محسوبة للمديونية الداخلية والخارجية تجاوزت آنذاك الخمسة عشر تريليون دولار، هي المديونية الاعلى في العالم، وصلت في عهد الرئيس الحالي اوباما لمستوى اعلى، حيث بلغت حوالي ستة عشر تريليون وثمانمئة مليار دولار، وشكلت ازمة قبل اقل من شهر من الان بين الحزبين الجمهوري والاميركي، وعطلت عمل المؤسسات الفيدرالية، وأثرت على برنامج الادارة الاميركية، والازمة لم تقف عند حدود ما تم التوصل اليه بين الحزبين، حيث من المفترض أن تعود الازمة للواجهة في شباط القادم، حين يحين طرح المسألأة مجددا في مجلسي الشيوخ والنواب.
كما ان الادارة الاميركية نتاج الازمة الاقتصادية الكارثية، التي بدأت عشية وصول الرئيس باراك اوباما للحكم في ايلول/ سبتمبر 2008، والتي لم يتعافى منها حتى الان الاقتصاد الاميركي، لم تتمكن في اكثر من اجتماع لقمة العشرين من تحقيق اي هدف من اهدافها السياسية والاقتصادية والمالية، وخاصة في إستمرار العمل باتفاقية بريتون وودز، التي وقعت في يوليو 1944، والتي كرست الدولار كمعادل للذهب، فضلا عن مطالبات قوية من الاقطاب الدولية الصين وروسيا والبرازيل والهند وغيرها بايقاف التعامل بتلك الاتفاقية، وايجاد نظام مصرفي جديد، يضمن الاستقرار المالي العالمي. وجاءت الازمة السورية وفشل الادارة الاميركية في إدارتها وفق رؤيتها، ونجاح روسيا الاتحادية بكسر الاحتكار الاميركي في التقرير في السياسات الدولية والاقليمية، مما اضعف اكثر فاكثر دور ومكانة الادارة الاميركية، وهذا ما عبر عنه الرئيس الروسي بوتين في قمتي الدول العشرين الاخيرتين في بطرسبورغ في روسيا، والقمة السابقة عليها في لكسمبورغ، حيث أكد بشكل واضح، ان الولايات المتحدة، لم تعد هي المقرر في السياسة الدولية، وهناك تحولات إستراتيجية تشهدها السياسة الدولية، على العالم ان يعي التحولات الجارية.
من المؤكد ان الولايات المتحدة، مازالت تملك القوة العسكرية الاعظم في العالم، ولهذا العامل دور مؤثر في السياسة الدولية. ولكن الادارة الاميركية، لا تستطيع استخدام هذه القوة بسهولة ورعونة كما فعلت في حربيها ضد العراق وافغانستان. والدليل العلاقة مع جمهورية إيران وملفها النووي، وفي السياق الملف السوري، كلا الملفين، لم تغامر ادارة اوباما بالامتثال لضغوط الجمهوريين اليمينيين ولا لاسرائيل والايباك في تبني خيار الحرب، بل ناورت الادارة، حتى تمكنت من الخروج بحفظ ماء الوجه، مستغلة الاتفاق مع روسيا الاتحادية على أليات العمل في معالجة المسألة السورية سلميا، وفي السياق فتحت مع بدء الدورة ال68 للامم المتحدة ابواب العلاقة مع القيادة الايرانية الجديدة برئاسة حسن روحاني، وأسقطت خيار الحرب كليا، رغم التهديدات العنترية من حين لآخر لذر الرماد في العيون.
باختصار الولايات المتحدة مع انها تملك اعظم قوة عسكرية في التاريخ حاليا، إلآ انها لا تستطيع استخدامها في كل حين، لا بل إن استخدامها يشكل عبئا عليها وعلى مستقبلها السياسي والاقتصادي، ويهدد مكانتها الدولية والقارية الاميركية. واقتصاديا لم تعد اميركا القوة الاولى في النمو، وعلى صعيد البحث العلمي تراجعت مكانة اميركا، وهي معايير دولية ذات صلة بمكانتها الدولية.
النتيجة المنطقية، العالم في ضوء التحولات الجارية في المرحلة الراهنة، تشير إلى ان العالم يعيش مرحلة مخاض حقيقي لنشوء نظام عالمي جديد يختلف كليا عن نظام العولمة الاميركية المتوحشة. فالافاق مفتوحة على وسعها لتشكل نظام دولي جديد برأسين او اكثر، وهو ما يفرض على القوى المختلفة في العالم، الدول الصغيرة والكبيرة والمنطقة العربية في المقدمة بالبحث عن مكان لها في العالم الجديد، والابتعاد عن وضع كل البيض العربي والفلسطيني في السلة الاميركية. لان السلة الاميركية، لم تعد قادرة على حمل كل البيض العالمي، ومعاييرها الدولية والاقليمية تتغير بتغير الشروط السياسية.
في هذا المجال يمكن للقيادة الفلسطينية تعزيز العلاقة مع الاتحاد الروسي والصين الشعبية وايضا استمرار تقوية العلاقات مع اوروبا، دون قطع العلاقة مع الولايات المتحدة، التي مازالت حتى اللحظة تلعب دورا مركزيا في الصراع الدائر في المنطقة بحكم علاقاتها الاستراتيجية مع إسرائيل، ولانها مازالت تحاول الحفاظ على مكانتها الدولية، ولكن دون المبالغة في دور اميركا لاحقا. وعليها (القيادة) دفع وتعزيز الدور الروسي والصيني والياباني والاوروبي لكي يكونوا شركاء في حل الصراع الفلسطيني / الاسرائيلي وفق قرارات الشرعية الدولية ..