عرفات يحاكمنا - عادل عبد الرحمن
تحل ذكرى رحيل الشهيد الرمز ياسر عرفات التاسعة مع إعلان نتائج الفحص للعينات، التي أخذت من جثمانه وملابسه في ابريل نيسان الماضي، حيث أكدت المؤسسات السويسرية والروسية المختصة، ان وفاته نتيجة دس السموم لجسده، وخاصة مادة البلونيوم المشعة. ولم تكن وفاته بسبب الكبر في السن او نتاج المرض. الامر الذي يشير باصبع الاتهام المباشر لدولة التطهير العرقي الاسرائيلية، صاحبة المصلحة الحقيقية في اغتياله. لانه كان يشكل عقبة كداء امام تنفيذ مخططها التصفوي للقضية الوطنية الفلسطينية.
إستغلت حكومة ارئيل شارون تدمير البرجين في نيويورك في ايلول سبتمبر 2001، وانفلات إرهاب الادارة الاميركية ضد العالم ككل بما في ذلك ضد الشعب الاميركي بحجة مواجهة الارهاب، العدو المبهم، الذي انتجته الولايات المتحدة وحلفائها وعنوانه تنظيم "القاعدة" لمواجهة الوجود السوفييتي في افغانستان (قبل إنهيار الاتحاد السوفييتي مطلع تسعينيات القرن العشرين) فضاعفت تلك الحكومة التحريض ضد الرئيس ابو عمار، ووجدت الدعم من القوى المتصهينة في الادارة الاميركية ومجلسي النواب والكونغرنس والايباك، واخذت الضوء الاخضر اولا لاعادة إحتلال الاراضي الفلسطينية مع نهاية آذار مارس 2002، وثانيا محاصرة الرئيس الرمز ابو عمار في مقر الرئاسة (المقاطعة) ؛ وثالثا دس السموم له عبر ادواتها المزروعة في المؤسسة القيادية. ولا داعي لاعادة التذكير بالمكالمة الهاتفية بين بوش الابن وشارون خول التخلص من الزعيم الفلسطيني، ولا الحوار الذي دار بين موفاز، وزير الدفاع آنذاك ورئيس حكومته حول ذات الهدف الجبان، التي تشير جميعها باصبه الاتهام المباشر لوقوف إسرائيل وراء عملية الاغتيال المتعمد وعن سابق تصميم وإصرار لابو الوطنية الفلسطينية المعاصرة.
كما اشارت بالامس اللجنة الوطنية المختصة في مؤتمرها الصحفي في مقر المقاطعة رام الله، أن النتائج ، التي أكدتها المختبرات الطبية السويسرية والروسية، لم تضف جديدا لتقديرات القيادة الساسية حول الدور الاسرائيلي في عملية الاغتيال؛ لكنها دعمت قناعتها، وبالتالي تفتح امامها الباب واسعا للبحث عن المجرم، الذي دس السم للرئيس عرفات. غير ان هذا الهدف لا يعفي القيادة الشرعية من ملاحقة القيادات الاسرائيلية ذات الصلة في المحافل والمحاكم الدولية. لان الدور الاسرائيلي جلي وعميق الصلة بعملية الاغتيال الرخيصة.
وفي السياق من الضروري مطالبة فرنسا، التي توفي الزعيم الراحل في احد مستشفياتها، من تقديم كل ما لديها من معطيات ونتائج، لانها كما اشار وزير العدل، على مهنا، تملك ادق التفاصيل للحالة الصحية للشهيد الرمز، ووفق الطرق القانونية. لاستخدام التقرير الفرنسي كعنصر إضافي في توجيه الاتهام للقيادات الاسرائيلية مرتكبة جريمة العصر.
في الذكرى التاسعة لرحيل القائد عرفات تكشفت عناصر جديدة عن لدور الاسرائيلي الارهابي. وعلى الجميع في الساحة الوطنية، ان يعترف بالتقصير في ملاحقة وفضح الدور الاسرائيلي وادواته المنفذه للجريمة العار. حيث كان يفترض منذ اللحظة الاولى لعملية إستشهاد ابو الوطنية المعاصرة تشكيل لجنة وطنية لكشف اسباب وفاة الختيار، لان تشكيلها (اللجنة) قبل عامين كما اشار اللواء توفيق الطيراوي في المؤتمر الصحفي، لا يبرىء ساحة احد في التأخير ، الذي حصل.
عرفات الباق فينا وبيننا بقوة وثقل اعظم وأكبر، في ذكرى رحيله التاسعة، يشير علينا باصبع التقصير، ويطالبنا جميعا قيادات رسمية وفصائلية واهلية بملاحقة القتلة اينما كانوا، واي كانت صفاتهم ومسمياتهم، لان إغتياله إستهدف إغتيال القضية، وتصفية الوطنية الفلسطينية، وبالتالي تصفية خيار السلام المرتكز على حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران عام 1967. ولان الصمت على مرتكبي الجريمة النكراء، يعني منح القتلة الضوء الاخضر لاغتيال رئيس الشرعية الفلسطينية الحالي، محمود عباس، وكل قائد وطني يدافع عن الحقوق الوطنية. لاسيما وان إسرائيل بكل مكوناتها الحزبية الصهيونية لا تقبل القسمة على خيار السلام ومنح الشعب العربي الفلسطيني الحد الادنى من حقوقه السياسية، المتثلة في اقامة الدولة المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، وضمان حق العودة للاجئين الفلسطينيين على اساس القرار الدولي 194، وخيارها مواصلة الاستعمار الاستيطاني في الاراضي المحتلة عام 67، والترانسفير لابناء الشعب الفلسطيني من اراضيهم تحت اشكال وعناوين استعمارية مختلفة من مصادرة وتهويد الاراضي واعلان العطاءات لبناء الاف الوحدات الاستيطانية وبناء جدار الفصل العنصري واوامر الهدم لبيوت المواطنين في القدس والاغوار، وتدمير ركائز الحياة الادمية في القرى والمدن الفلسطينية من خلال تكامل الادوار بين جيش الاحتلال والعدوان الاسرائيلي وقطعان المستعمرين، وضرب عوامل نهوض الاقتصاد الوطني إلى إغتصاب الاماكن المقدسة الاسلامية والمسيحية وخاصة المسجد الاقصى ... إلخ
الرمز الشهيد ابو عمار، لم يمت ، ولن تموت عملية إغتياله، وسيبقى صوته مجلجلا ضد القتلة الاسرائيليين وادواتهم الرخيصة والجبانة، وسيبقى يدق على جدران خزان الوطنية الفلسطينية، لينبهنا إلى حمايتها والدفاع عنها بكل ما نملك من ارادة التصميم والشجاعة وحتى نحقق اهداف الشعب في الحرية والاستقلال وتقرير المصير وضمان حق العودة.