عودة الدب الروسي إلي المياه الدافئة!... بقلم: سعيد اللاوندي
لم تحدث زيارة دولية ما أحدثته زيارة وزيري خارجية
ودفاع روسيا إلي مصر من دوي, فلقد كثرت التعليقات, وذهب البعض إلي أن
مصر تريد أن تغير المحور, وذهب الآخر إلي أن مصر تستعيد أجواء الستينيات
والسبعينيات من القرن الماضي.
وقد يكون في
هذا قدر من حقيقة, شرط ألا نفهم أن مصر تستعدي دولة علي أخري, فموسكو ـ كما
قال وزير الخارجية المصرية ـ أكبر من أن تكون بديلا لأحد, لكن ما الذي حدث
بالضبط؟
لابد أن نعترف بأننا نعيش أجواء مصر
جديدة, سيما بعد ثورة30 يونيو, تلك الثورة التي خرجت فيها الملايين تعلن
بدء مرحلة جديدة يكون الشعب ـ كل الشعب ـ مصدر السلطات, وهذه الدولة
الجديدة في حاجة إلي علاقات دولية جديدة تكون فيها مصر علي مسافة واحدة من
الجميع, وأن تقيم علاقات متوازنة مع الدولتين العملاقتين واشنطن وموسكو,
باعتبار الأخيرة عاصمة روسيا وريثة الاتحاد السوفيتي السابق, وما فعلته مصر
لا يخرج عن ذلك.
الشيء الثاني أن القطيعة مع
روسيا لم يكن لها ما يبررها, فالرئيس السادات عندما طرد الخبراء السوفيت في
عام1972, وعندما قال: إن99% من أوراق اللعبة السياسية الدولية بيد أمريكا,
كانت هناك ظروف إقليمية ودولية اضطرته إلي قول ذلك, وربما لو عاش بيننا
لهذا الوقت لما قال ما قال, أو فعل ما فعل.
لكن
للإنصاف لم تشأ مصر أن تسير معصوبة العينين وراء أمريكا, فتحررت في قرارها
السيادي, وذهبت إلي استئناف ما انقطع من علاقات, أو بالأحري ما تجمد, سيما
أنه كانت لنا سفارة معتمدة هناك, ولهم سفارة معتمدة في مصر, وثمة علاقات
تجارية واقتصادية وسياحية بين الدولتين في السنوات الماضية.
ثالثا: أن هدف هذه العودة هو مصلحة الشعبين الروسي والمصري, وأعتقد أن التواصل مع جميع القوي الدولية مطلوب في هذه الأيام.
رابعا:
لقد أبدت روسيا ـ علي لسان رئيسها بوتين ـ احترامها وتقديرها ومساندتها
لثورة30 يونيو, باعتبارها إرادة شعب, وأكد بوتين أنه تعلم السياسة من قادة
مصر ورؤسائها, فكان غير منطقي أن نواجه هذا التقدير بلامبالاة وإهمال,
ونهتم فقط بدولة أخري هي الولايات المتحدة لم تعترف رسميا بالثورة المصرية,
التي تارة تسميها ثورة, وتارات أخري تسميها انقلابا, وكل ما فعلته مصر أن
واجهت الثناء بثناء, والإهمال بإهمال.
الخامس أن المعونة
الأمريكية, برغم أنها منصوص عليها في معاهدة السلام التي أشرفت عليها
أمريكا, فإنها بدت لنا في السنوات الماضية أنها ورقة توت تهدد أمريكا مصر
بأنها ستتخلي يوما عنها, فتارة تترك الجزء المدني, وتارة تمنع الجزء
العسكري كما هو حادث الآن, ناهيك عن تقليصها عاما بعد عام, فلقد كانت
قيمتها ضعف المبلغ المالي, إلا أنه ظل يتناقص حتي وصل إلي أرقام هزيلة.
أيا
كان الأمر, كان لابد أن نتجه إلي دولة منافسة أخري مع بقاء علاقتنا
بالدولة الأولي, وهذا فضلا عن أنه قرار لا تعرفه إلا دولة حرة ذات سيادة,
فإنه من أخص خصوصيات مصر.
سادسا: لم نعرف قط تعبير تنويع مصادر
السلاح إلا في زمن الرئيس السادات, وأعتقد أننا لو عدنا إلي هذا التعبير
وقمنا بتنويع الاستيراد من هذا البلد أو ذلك ليست كارثة, ناهيك عن أن تتحول
مصر إلي مستعمرة أمريكية في الشرق الأوسط, هو أمر مرفوض شكلا وموضوعا.
سابعا:
يحلو للبعض أن يقول إن مصر تحولت لتكون مستعمرة روسية بعد أن كانت مستعمرة
أمريكية بامتياز, أقول إن هذا التعبير خاطئ مئة في المئة, لأن مصر لم تكن
مستعمرة أمريكية حتي تتحول إلي مستعمرة روسية, ناهيك عن أن مصر تربأ بنفسها
أن تكون سببا في أن تتضاد الدولتان أمريكا ومصر, فقط تريد ـ وهذا من حقها ـ
أن تعيد صياغة علاقاتها مع الولايات المتحدة, وأن تنسج ما تشاء من علاقات
مع روسيا كقوة إقليمية لا يستهان بها في العالم.
ثامنا:
يخطئ من يعتقد أن مصر قدمت تسهيلات عسكرية لروسيا سوف تنتهي بإقامة قاعدة
عسكرية للأخيرة في مصر, بدليل زيارة الطراد الروسي للإسكندرية, وزيارة
الطراد الثاني للبحر الأحمر, والإجابة أن مصر لا تمنح علي حساب استقلالها
امتيازات لأحد, بدليل أنها لم تمنح أمريكا أي امتيازات عندما كانت علاقتها
بها سمنا علي عسل يوما ما.
والمعني أن مصر
تحترم شركاءها, وفي استئناف علاقتها بروسيا إنما تؤكد مثني وثلاث ورباع
أنها صديق قديم له الحقوق نفسها التي لنا, وعليها واجبات تتساوي مع
واجباتنا.باختصار إن إفساح المجال أمام عودة الدب الروسي إلي المياه
الدافئة, وهو الأمل الذي ظل يراود قادة روسيا طويلا وحالت أمريكا دون ذلك(
فأوجدت حلف الناتو قديما), أريد أن أقول إن الدبلوماسية المصرية ـ اختصارا ـ
تريد أن تفرد بجناحين هما أولهما الجناح الأمريكي, والثاني هو الجناح
الروسي.. ولا أحسب أنها أخطأت في حساباتها.
نقلا عن صحيفة "الأهرام المصرية".