هل ستبقى "حماس" على حالها؟- مهند عبد الحميد
"إنك لا تنزل النهر مرتين لإن مياهه تتجدد باستمرار"، قالها الفيلسوف الإغريقي هيراقليطس، ويقصد بذلك إذا نزلت إلى نهر كنت قد نزلته من قبل، فالواقع يقول أنك تسبح في مياه جديدة تماماً، كأنه نهر آخر الذي يحتوي جسدك.
ما حدث لقوى الإسلام السياسي الذي تنتمي إليه "حماس" وتعتمده مركزا ومرجعية لها، يستدعي وقفة تقييم ومراجعة. فلا يعقل أن تبقى "حماس" على حالها بعد إخفاق الإخوان المسلمين في تجربة الصعود السريع للحكم في مصر، وتخبط حركة النهضة في تونس، وتأزم مختلف فروع الإخوان في ليبيا واليمن وسورية والأردن.
كان البعض يعزو أخطاء "حماس" في الحكم وفي إطار الحركة السياسية الفلسطينية إلى ضعف خبرة الفرع الفلسطيني من "الإخوان"، وضعف مستواه الفكري النظري الناجم عن شروط العزلة التي يفرضها الاحتلال. ولكن مع صعود "الإخوان" إلى سدة الحكم وانكشاف سياساتهم تبين أن الحال من بعضه، بل اتضح أن خبرة "حماس" في بعض الجوانب أكثر دراية من الأداء المتخبط للمركز.
أخطاء كبيرة وعديدة وقع فيها مركز الإخوان، أولا: الثورة تعني فكا تدريجيا لعلاقات التبعية السياسية والاقتصادية والأمنية التي أوصلت مصر للحضيض، والسعي الدؤوب للخروج منها. على الضد من ذلك أكد "الإخوان" التزامهم باتفاق كامب ديفيد وبعلاقة التبعية الاقتصادية والعسكرية لأميركا، ولم يقدموا إشارة واحدة باتجاه الانفكاك منها، وكان موقفهم السياسي يعبر عن مواقف الرأسمالية التابعة، وبهذا المعنى جسد تنظيم الإخوان مواقف الثورة المضادة. ثانيا: التعامل مع الدستور والقضاء وسياسة أخونة مؤسسات الدولة، قدم دليلا واضحا على رفض التعدد السياسي والثقافي والديني إلا في إطار هيمنة حزب الإخوان الحاكم، ولم يبد "الإخوان" أي حساسية تجاه المزاج العام الرافض لاحتكار السلطة، ولإعادة إنتاج نظام مستبد. ثالثا: مفهوم الديمقراطية كان يعني الذهاب لصندوق الاقتراع لمرة واحدة يتم فيها انتزاع التفويض مرة واحدة، يتخللها تحصين الذات وتغيير قواعد النظام السياسي لمصلحة نظام "الإخوان" الجديد، ويصار إلى تقويض مقومات التبادل السلمي والديمقراطي للسلطة لأجل تأبيد السيطرة. ولم يكترث حكم "الإخوان" بالتحولات النوعية في المزاج الشعبي، وظلوا في حالة تثبيت على لحظة الذهاب إلى صناديق الاقتراع والفوز، مغفلين "تدفق المياه الجديدة في النهر". رابعا: التقاطع مع الإرهاب والعنف والتطرف ومحاولة التهديد به والتعامل معه كاحتياطي واستخدامه إذا اقتضى الأمر، وافتقاد القدرة على رؤية التحولات والمتغيرات والتراجع من موقع الحكم، بل اعتماد سياسة علي وعلى أعدائي.
إن أداء "الإخوان" وإخفاقهم في أكثر من مكان، سلط الأضواء على أداء "حماس"، وطرح سؤالا مفاده، هل ستركب "حماس" رأسها وتدافع عن أخطائها أو تبررها وتذهب إلى العزلة كما ذهب المركز الإخواني، أم أنها ستتلمس طريقا آخر طوعا ودون تدخل من أحد؟ هل ستقوم بمراجعة سياساتها وتتوقف عند خبرة مرجعياتها وتقدم سياسة جديدة؟ سياسة تنطلق من خصائص الوضع الفلسطيني وصراعه مع الاحتلال الكولونيالي، ومن المصلحة الوطنية العليا للشعب الفلسطيني التي تستدعي الوحدة الوطنية ونبذ الانقسام، سياسة تقودها للتنافس الإيجابي على مركز القرار والتمثيل في إطار المنظمة والسلطة ومؤسساتهما، وتجعلها تقر بالتبادل السلمي للسلطة والقيادة، وتلتزم بقواعد النظام والعمل الديمقراطي، ومبدأ التعدد الديني والثقافي والسياسي والتنظيمي، والمشاركة في إصلاح وتجديد وتطوير البنية التنظيمية والإدارية والأمنية للمؤسسات القائمة. إن التزام "حماس" بهذه المبادئ والقواعد يحررها من القيود والكوابح والمعوقات التي التصقت بها خلال تجربتها الخاصة، وعبر ارتباطها الوثيق بتنظيم الإخوان المسلمين الدولي. لا شك أن "حماس" أمام مفترق طرق، طريق تبرير الأخطاء والانعزال فلسطينيا وعربيا، وطريق تصويب المسار وتجاوز الأخطاء الذي سيقرر مكانتها ودورها على المدى المباشر والمتوسط؟ بين هذا وذاك، هل تطغى الأيديولوجيا والمصالح الفئوية على المصلحة الوطنية؟ وهل ينتصر العقل على النقل؟ وهل يتغلب منطق الاستقلال على علاقات التبعية؟ أسئلة برسم العصف الفكري في أوساط قيادات وكوادر حركة حماس.
الموضوعات التي لا غنى لحركة حماس عن مراجعتها هي، أولا: الانقلاب العسكري الذي لجأت إليه حركة حماس عام 2007، واستخدام العنف والسلاح في حل الخلافات داخل الحركة السياسية والوطنية، بما في ذلك "تصفية الإسلاميين المسلحين" المعارضين لسياسة "حماس". ثانيا: رفض "حماس" لإجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية في موعدها وفي لحظة وقوع الأزمات، ومساهمتها في عدم تطبيق الاتفاقات وبخاصة الاتفاقات التي تنص على انتخاب المجلس الوطني وإعادة بناء مؤسسات منظمة التحرير، ومساهمة "حماس" في تعطيل الديمقراطية وجمود المؤسسات، وفي تكريس بطالة جيش الموظفين التابع للسلطة في قطاع غزة وخارجه. ثالثا: المس بالحريات العامة؛ حرية التجمع والتعبير والحركة والتنقل والتنظيم والنشاط، ومنع الصحف ومحطات الإذاعة ومكاتب إعلامية ووكالات أنباء، والتضييق على الإعلاميين، ومنع الاختلاط بين الجنسين في الأماكن العامة، بما في ذلك منع التعليم المختلط ومنع المدرسين من مزاولة التعليم في مدارس البنات والعكس، وفرض قيود على النساء فرض الحجاب والجلباب. رابعا: فرض سلطة دينية كبديل للسلطة المدنية، وإخضاع مؤسسات التعليم والمدارس لقبضة السلطة الدينية، والسيطرة على مؤسسة الأوقاف، بما في ذلك المساجد التي جرى تحويلها الى مكاتب حزبية وأمنية، والدمج بين الخطاب الديني والخطاب السياسي، على سبيل المثال يتحول رئيس الحكومة الى داعية ديني يعتلي المنبر بزي ديني ليقدم خطابا سياسيا دينيا يكتسب صفة الإلزام دون نقاش. وتتناسى حركة حماس أن الشعب الفلسطيني موزع في الداخل والخارج على ثلاث ديانات إسلامية ومسيحية ويهودية، المسيحية بنسبة 15 ـ 17% أكثريتهم في الخارج، والسامريون اليهود في نابلس، وحركة ناطوري كارثا التي تعتبر منتسبيها جزءا من الشعب الفلسطيني. وبقطع النظر عن نسبة الأكثرية والأقلية بين منتسبي الديانات، فلا يعقل اعتماد سلطة دينية في الوقت الذي يتم فيه رفض ومقاومة الاعتراف بدولة يهودية، ولا يعقل ان يحترم الميثاق الوطني الفلسطيني منذ العام 1968 التعدد الديني ويسمي الدولة الموعودة دولة علمانية، في إشارة الى احترام التعدد، ثم تأتي "حماس" لتفرض الدولة الدينية من لون واحد.
بقي التأكيد على القول: هل تراجع حركة حماس هذه السياسات التي أحدثت شروخا في النسيج السياسي والمجتمعي الفلسطيني؟