الرفاق الصينيون والرقم الصعب - موفق مطر
تتبدل طبيعة العلاقات بين الدول, بتبدل مواقع وحجم المصالح, لكنها بين الحركات والأحزاب والقوى المعبرة عن نزعة التحرر والتقدم فإنها كالأشجار المعمرة تضرب جذورها في الأرض عميقا فأعمق, وتنشئ حولها أجيالا من الأشجار حتى تصبح عاملا في التوازن الطبيعي الذي على اساسه تقام العلاقة بين الشعوب, وتحديدا المالكة لمقومات حضارية, فمن هذه الشعوب من استطاع فرض ذاته كدولة عظمى كجمهورية الصين الشعبية, ودولة فلسطين التي يناضل شعبها لنيل الحرية والاستقلال لتأخذ مكانتها في الفعل الحضاري والإبداعي, كما أخذ شعبها مكانته كقائد لحركات التحرر في العالم, ما جعل قيادة المليار انسان في اقصى الشرق من الكرة الأرضية تقف اعجابا بنضال الشعب الفلسطيني الصغير بعدده العظيم بنضاله, وصموده بوجه الحركة الصهيونية - اقوى حركة احتلال استيطانية في العالم - المسنودة من قوى استعمارية وامبريالية عظمى, كبريطانيا منذ وعد بلفور وفترة الانتداب على فلسطين, والولايات المتحدة الأميركية التي اخذت على عاتقها تأمين كل اسباب الحياة والقوة والمنعة لدولة الاحتلال ( اسرائيل ).. اضافة لدول ربطت مصالحها بأمن اسرائيل, على حساب المصالح الحقيقية مع شعوب المنطقة ودولها.
قد لا يعلم الكثيرون أن علاقة حركة فتح -باعتبارها حركة التحرر الوطنية للشعب الفلسطيني- مع الصين بدأت منذ العام 1964 أي قبل انطلاق الثورة الفلسطينية, فتجربة الرفاق الصينيين في النضال الشعبي الطويل الأمد كانت غنية بما يكفي لأن يقرأ قادة الثورة الفلسطينية دروسها وتطبيق ما يمكن تطبيقه في التجربة الكفاحية والنضالية الفلسطينية.. ولعل صور قيادات حركة فتح في فترة الستينيات, شاهد على طبيعة العلاقة التي ما ظهرت الى العلن وبقوة إلا بعد تأمين الحاضنة الشعبية الفلسطينية والعربية العلنية للثورة عام 1968 اثر معركة الكرامة.
تؤكد اشادة رئيس وفد الحزب الشيوعي بحركة فتح ودورها الفاعل في ادارة شؤون الشعب الفلسطيني, ووصفها بنواة حركة التحرر الوطنية الفلسطينية, أن العلاقات القائمة على المبادئ والقيم النضالية والإنسانية ما زالت ممكنة, وانها كقانون الحياة لا تقف عند حد وإنما تتجدد وتتطور, فحركة فتح التي اضافت لمسمى المفوضية المعنية بالعلاقات العربية مصطلح (الصين الشعبية ) لتصبح مفوضية العلاقات العربية والصين الشعبية, ما قررت هذا الأمر إلا لقناعة قادتها – بالتجربة - أن العلاقة مع جمهورية الصين الشعبية, علاقة مبادئ, وقيم نضالية, وإنسانية تسمو على المصالح التي طبعت علاقة دول بعينها مع حركات أو احزاب. ويؤكد أن الحركة ذات المنهج الوطني هي الأقدر على البقاء والانتصار أيضا والإسهام بتحقيق اهداف الشعب وآماله, فالحزب الشيوعي الصيني لم يؤسس علاقته بفتح بقصد الاحتواء الايديولوجي, وإنما تقديرا للمنهج الوطني التحرري الذي خطته الحركة, واستطاعت بفضله احداث تحول نوعي على القضية الفلسطينية, وتأسيس قواعد جديدة للصراع مكنت الشعب الفلسطيني لأن يكون الرقم الصعب في المعادلة.. وهذا يعجب الصينيين باعتبارهم اعظم أحباء الأرقام الصعبة.