استشهاد اب وأطفاله الثلاثة في قصف الاحتلال مخيم النصيرات    الاحتلال يواصل عدوانه على مدينة ومخيم طولكرم    الاحتلال يشدد من إجراءاته العسكرية شمال الضفة    50 شكوى حول العالم ضد جنود الاحتلال لارتكابهم جرائم في قطاع غزة    دائرة مناهضة الأبارتهايد تشيد بقرار محكمة برازيلية يقضي بإيقاف جندي إسرائيلي    المجلس الوطني يحذر من عواقب تنفيذ الاحتلال قراره بحظر "الأونروا"    14 شهيدا في قصف الاحتلال مناطق عدة من قطاع غزة    16 شهيدا في قصف للاحتلال على وسط قطاع غزة    نادي الأسير: المخاطر على مصير الدكتور أبو صفية تتضاعف بعد نفي الاحتلال وجود سجل يثبت اعتقاله    قرار بوقف بث وتجميد كافة أعمال فضائية الجزيرة والعاملين معها ومكتبها في فلسطين    الرئيس: الثورة الفلسطينية حررت إرادة شعبنا وآن الأوان لإنجاز هدف تجسيد الدولة الفلسطينية وإنهاء الاحتلال    في ذكرى الانطلاقة.. "فتح": الأولوية اليوم وقف حرب الإبادة في قطاع غزة وإعادة توحيدها مع الضفة وتحرير الدولة الفلسطينية من الاحتلال    في ذكرى الانطلاقة.. دبور يضع إكليلا من الزهور باسم الرئيس على النصب التذكاري لشهداء الثورة الفلسطينية    الرئاسة تثمن البيان الصادر عن شخصيات اعتبارية من قطاع غزة الذي طالب بعودة القطاع إلى مسؤولية منظمة التحرير    اللواء أكرم الرجوب: "فتح" لن تسمح لأي مشروع إقليمي بأن يستحوذ على القرار الوطني  

اللواء أكرم الرجوب: "فتح" لن تسمح لأي مشروع إقليمي بأن يستحوذ على القرار الوطني

الآن

الرجل السلكي!!- عيسى قراقع

ربما لا يصدق أحد انه في فلسطين وفي منطقة حوض البحر الأبيض المتوسط يعيش رجل سلكي جسمه كله من أسلاك، يتحرك بالأسلاك، ويمشي بالأسلاك ويأكل بالأسلاك، وحوله أسلاك من كل صوب.

وفي زمن الاحتلال الإسرائيلي ومن خلال الخبرة التكنولوجية الفائقة لدولة الترسانة المسلحة في المنطقة استطاعت أن تحول الإنسان من بشر إلى كائن آلي، يستطيع أن يعيش حاملا أسلاكه بدلا من شرايينه، يتنفس بالأنابيب ويبول بالأنابيب المحمولة على أكياس والمتدلية من خاصرتيه.

إنه الرجل السلكي الاسير منصور محمد عبد العزيز موقدة سكان سلفيت المحكوم 30 سنة والمصاب بالشلل ويتنقل على كرسي متحرك في ما يسمى عيادة مستشفى الرملة منذ اعتقاله عام 2002، بعد إصابته بوابل من الرصاص الدمدم والمتفجر الذي مزق جسده ودمر أعضاءه الداخلية ، ولم يصحو من الموت المتوقع إلا بعد 30 يوما من غيبوبة طالت في مستنقع من الدم .

أطباء سجون الاحتلال ركبوا له شبكة معقدة من الأسلاك في الحوض والبطن والعمود الفقري، بعد أن وجدوا أن قدميه قد شلتا تماما، وها هو حيا، بطنه متكور ومعدته جميعها من الأسلاك وبحاجة إلى شبكة فولاذية أخرى بعد أن تدهور وضعه الصحي مؤخرا، وربما سيحتاج إلى سلك آخر للتنفس من الرقبة بعد أن أصيب بأزمة صدرية حادة.

يقول منصور عن نفسه أنه الشهيد الحي، أو الشهيد القادم، وبدأ يرتب ليوم الآخرة فاشترى كفنا أبيض لأنه يرفض أن يوضع في كيس اسود، وكتب وصيته بأن يدفن في جوار البيت ويزرع حول قبره شجرة زيتون، موضحا انه يعيش في قبر وجميع من حوله مشاريع موتى، وقد بدأوا يغادرون داخل أكفانهم واحدا واحدا.

الرجل السلكي يرى أطباء ينتظرون أن تحين ساعة حتفهم، هؤلاء الأسرى المعاقين والمشلولين والمصابين والمقطعة أعضاءهم، أغلقوا ملفاتهم الطبي قائلين لهم: ستبقون على هذا الحال حتى تحين ساعتكم، لا دواء ولا فحص ولا شفاء، سنبقيكم أحياء حتى الشهقة الأخيرة ، وان عدتم ستعودون مغمضي العيون غير قادرين على رؤية المشيعين في تلك اللحظات.

الرجل السلكي الذي يحمل أكياس بوله وبرازه وتعيش في جسمه أسلاك متعددة، تصيبه رعشات سلكية بين فترة وأخرى، يرتجف ويرتعش ، نوبات كهربائية لا توقفها المسكنات والنظرات الساخرة.

منصور موقدة قدره أن يمر عنه الأموات والأحياء في عيادة هي أسوأ من السجن، يعيش فيها 20 أسيرا مريضا ومدمرا، معزولين عن الحياة واليقين، يراقبوا أرواحهم صعودا وهبوطا تتوجع وتسير في أسلاك أجسامهم لا تجد لها سقفا للطيران .

الرجل السلكي يسمع صرخات الألم واحتكاك الأسلاك باللحم والعظم في أجساد رياض العمور وناهض الأقرع ومعتز عبيدو وصلاح الطيطي وعلاء الهمص ومراد أبو معليق وسلام الزغل ومحمود سلمان ومحمد براش، ويرى أعضاء نعيم شوامرة تنكمش ولسانه يتوقف وتصدا أسلاكه وتتكوم على عجلات لا طريق أمامها سوى الصمت.

الرجل السلكي يتوجع من أورام جديدة برزت في رقبته، ومن شظايا حديدية منتشرة في جسمه، ومن رائحة بارود هي أقوى من رائحة الدواء المتناثر في الهواء المخنوق.

الرجل السلكي أطلق لحيته حدادا على نفسه، بعد أن شاهد زهير لبادة وأشرف أبو ذريع وحسن ترابي وعرفات جرادات وميسرة أبو حمدية وزكريا عيسى، يخرجون أمواتا تاركين وراءهم قطعا من أجسادهم وسعالهم وملح جروحهم ونداءاتهم الموجعة.

الرجل السلكي يتهيأ للموت، لا جرعات كيماوية أنقذت معتصم رداد، ولا حبوب المسكنات أيقظت خالد الشاويش من نومه العميق داخل شلله وإعاقته الدائمة، لا أقدام لناهض الأقرع، ولا عيون لمحمد براش ، وإياد نصار، ولا من يقرع الباب ليزورهم ويبتسم للذاهبين إلى العدم.

الرجل السلكي رأى كيف أن عددا من الأسرى المرضى حاولوا الانتحار يستعجلون الرحيل لإيقاف الموت البطيء ، يرسمون النهاية، ويحلقون في أغانيهم الخاصة، وحدهم يقيمون الصلاة بلا آذان وبلا آيات مسموعة جالسين ساكتين.

منصور موقدة انتظر، سيزورك ممثل منظمة الصحة العالمي، وأمين عام هيئة الأمم المتحدة، وطواقم اللجنة الدولية للصليب الأحمر، والإعلاميون من كل مكان، للإعلان عن رجل استطاع أن يبقى حيا، يعيش بالأسلاك، ويصافح الناس بالأسلاك، ويتحرك على الأسلاك، ويكون اكتشاف عالمي يضيف إلى المنظومة الإنسانية والعدالة الكونية فجيعة أخرى من فجائع الحرب، وجريمة جديدة من جرائم دولة الاحتلال، وستراهم كلهم مندهشين وخائفين.

za

إقرأ أيضاً

الأكثر زيارة

Developed by MONGID | Software House جميع الحقوق محفوظة لـمفوضية العلاقات الوطنية © 2025