الاضراب.. والقضاء والدولة -موفق مطر
من يريد هدم أركان أي دولة ما، فان سبيله الأقصر والأسرع هو الخروج على القانون ومخالفة قرارات القضاء !.
لا يمكن للشرائح أو الطبقات المستضعفة المظلومة في المجتمع تحقيق مصالحها في ظل دولة لا يطاع فيها القانون، ولا تُنفذ قرارات أعلى محاكمها القضائية، فالمظلومون هم أول المستفيدين من قانون ذي هيبة، وقضاء يحكم بالعدل ذو قدرة على انفاذ احكامه، وهم اول المسحوقين بحجري رحى المصالح الذاتية للمناهضين للقانون والقضاء، والفوضى التي تحقق رغبة هؤلاء بانهيار نظام سياسي، يعملون ويسعون ويتمنون سقوطه بأي ثمن، حتى لو كان البديل انهيار المنظومة الاجتماعية والاقتصادية والأخلاقية أيضا !.
قال سقراط في رده على تلميذه اقريطون الذي نصحه بالهرب من السجن بعد حكم قضاة اثينا عليه بتجرع السم بيديه:" ان واجب المواطن الأول عنده أن يطيع شرائع الدولة ولو كان تطبيقها مجحفا وما كان الظلم يقابل بالظلم "..فالايمان بالدولة وأركانها لا يستوي بتأليف الكتب والمجلدات، او بصرف آلاف الساعات من الدروس والمحاضرات النظرية في القيم والتربية والعلوم وحسب، بل بإثباته فعلا، والالتزام بقوانينها ما دامت قائمة على اسس شرعية ونظامية.
تبدأ الدولة وركائز المجتمع بالانهيار عندما يصفق رواد المجتمع لقرارات القضاء الملامسة لمصالحهم الشخصية، ويخرجون عليها او يحرضون على رفضها عندما تتعارض مع رغباتهم وتمنياتهم وتلتقي مع مصلحة الأغلبية العظمى للمجتمع، فالرواد يعلمون ان القرارات والأحكام القضائية تصدر باسم الشعب، وان الاعتراض عليها يتم وفق الأنظمة واللوائح النظامية المعمول بها و( القوانين ) المقررة من ممثلي الشعب في المجالس التشريعية النيابية، وان مخالفة هذه الاجراءات يعتبر عملا عدائيا تجاه سلطة القضاء والقانون يستوجب المخالفة.
اباح القانون الاضراب ونظمه وضبطه بما لا يسمح تغليب المصالح الشخصية الفئوية على مصالح المواطنين كافة، او المصالح العليا للشعب، وأتاح القانون للطرف المتضرر من الاضراب اللجوء الى القضاء حال تعارض واصطدام مفاهيم وتفسيرات رب العمل( الحكومة ) والموظف العمومي لهذا الحق المنصوص عليه بالقانون الأساسي( الدستور ) اصلا، وعلى الطرفين الالتزام بقرارات القضاء وتنفيذها مهما كانت الأحكام، أو المستفيد، او من الحكم.
تؤدي ظاهرة التمرد على احكام القضاء الى شرعنة اختطاف القضايا المشروعة للناس، او شريحة واسعة من المجتمع كرهائن، ولي ذراع رب العمل (الحكومة ) التي تمثل ارادة الشعب في ادارة شؤونه وماله، فالاضرابات مشروعة ما دامت منسجمة مع القانون، وتحقق معيشة افضل لشريحة اجتماعية يعتقد افرادها انهم يستحقون افضل من واقع اجورهم او اوضاعهم.. لكنها عندما تتحول الى عبء يهدد أمن المجتمع وسلامته، ويؤثر سلبا على مسار حياته ومستقبله، هنا لا بد للقضاء من الفصل والحكم، ومنع انهيار ركن من أركان المجتمع (الدولة) مع التأكيد على ضمان حقوق المضربين عبر اجراءات تنظيمية، وادارية، ومالية تكفل لهم عيشا يتناسب مع عطائهم للشعب باعتباره مركز الدولة. فهل اذكى وأنبل من المعلمين لإدراك هذه المعادلة ؟!