أبو خليل..نديم الثورتين- عدلي صادق
أغمض العينين، وأسلم الروح في صمت، المناضل أحمد وافي (أبو خليل) نديم الثورتين الفلسطينية والجزائرية، وأحد الرواد الأوائل في تاريخ "فتح"، التي وإن طال انتقاعها في أية بحيرة راكدة؛ لن تتبلل ولن تترجثَم، وستظل وفيّة لفلسفة نظامها الداخلي الذي يرى ما يراه، حول طبيعة الصراع على أرضنا.
فأبو خليل، واحد من الكرام الزاهدين، الذي نهضوا بالحركة منذ بداياتها، وخَلَع من السياق الطبيعي للمشروعات الشخصية، من حيث هي فرص عمل، ومناخات للإفادة والبحبوحة وللخلاص الفردي. أوصلته الدروب الى الجزائر، عاصمة الثورة المنتصرة وحركة التحرر التي اتخذت شكل الدولة دون أن تفارق خصائصها. كان ذلك قُبيل أن تصبح الحركة أمل الجماهير وشبيهتها وقيثارتها.
هناك، جعل أبو خليل من مكتب منظمة التحرير الفلسطينية خلية ثورية، ومكاناً له ضوابط المعسكر وصرامته، وجعل من الجالية الفلسطينية في الجزائر، فضاءً أوسع للمقر الرسمي، بل جعل منهم جميعاً، مقيمين مؤطرين سياسياً وتنظيمياً. ونجح بامتياز، في رعاية فلسطين الكامنة في قلب الدولة، وفي روح "جبهة التحرير الوطني". ففي وقت متأخر، عندما عملتُ في الجزائر، لم ألتق بإحدى القامات من قدامى مجاهدي حرب التحرير وحزب "الجبهة" إلا وكان يسألني عن صحة أبي خليل وأخباره، ويحدثني عن أيامه التي تذكرهم بفترة الراحل هواري بومدين.
فقد واكب المناضل أحمد وافي، حقبة الزعيم الجزائري الاستثنائي، الصارم الرقيق في آن. فعندما أدرك المناضل الفلسطيني حجم وعمق الدلال والحب لفلسطين، في قلب بومدين وحزب "جبهة التحرير"؛ أحس أبو خليل بطعم الانتصار في بلاده، فتصرف بشموخ، وباعتزاز بالثورتين الجزائرية والفلسطينية.
ويحق لمؤرخي تلك المرحلة، أن يدونوا الحقيقة القائلة بأن مكانة "فتح" وفصائل منظمة التحرير الفلسطينية في الجزائر، منحتها الزخم الاستراتيجي في المنطقة، وساعدتها على تعزيز دورها على مسرح السياسة العربية، وعلى إقامة الجسور مع حركات التحرر، سواء المنتصرة أو التي لا تزال تناضل، في قارات افريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية، وكذلك على صعيد أحزاب اليسار الأوروبي.
وفي هذا السياق يُذكر بصدق ووفاء وأمانة، دورا المرحوم أبو خليل وافي وأبو العز الدجاني أمده الله بموفور الصحة.
الى بيروت، عاد أبو خليل من الجزائر، يحمل تاريخه وإصابته من انفجار طرد مفخخ أفقده معظم حاسة السمع. هناك تسلم المسؤولية عن الضمان الصحي لمنتسبي منظمة التحرير الفلسطينية وقواعدها الاجتماعية. تقمص في عمله روح الدولة الجزائرية، من حيث كونها مسؤولة عن صحة مواطنيها قاطبة. في الوطن، وكمناضل عاش وعمل في الجزائر، سرعان ما عمل على تأسيس "جمعية الأخوّة الفلسطينية الجزائرية" وشاركه في التأسيس رهط من أنبل الرجال الذين عاشوا وعملوا في الجزائر، كالراحل العزيز زهدي الكيلاني، وتشرّف العبد لله بالانضمام اليهم.
أبو خليل، آنذاك وحتى إغماضة العينين، عاش على الكفاف. كنا نجتمع في منزله، في سقيفة من "الزينكو" أقامها على أرض موروثة عن الأهل. لم يبتنِ العمائر ولم يعرف البحبوحة، وكان يبذل من راتبه المتواضع، لكي تعمل الجمعية وتنشط. يحمل هوية "مناضل قديم" ولم يُدرج اسمه في كشوف المنتسبين للوظائف، وكان راتبه المتواضع يُصرف من "فتح" التي اختارها طريقاً الى الحرية، وترك لرفعتها، موقع عمله في السعودية.
رحم الله أبا خليل وأسكنه فسيح الجنان.
صادق العزاء لأسرته وإخوته وعائلته. كل المواساة لنجله د. خليل أمين سر الحركة في رومانيا، والاستشهادي الناجي الأسير المحرر أسامة، وللزوجة التي رافقته في أوقات اعتلال الصحة. إنا لله وإنا اليه راجعون!
adlishaban@hotmail.com