نظرة:؟ هل ثمة تنازلات فلسطينية - الأسير ماهر عرار
منذ تدشين مسار عملية السلام (1991 1993) الوعر والمتعثر، لأسباب وعوامل لا تخفى على أحد، لا يكف البعض الفلسطيني، (لن اقول الكل) عن التشدق بلغة التخوين والزندقة السياسية والوطنية رجما بالغيب فريق التفاوض الفلسطيني الذي قد نختلف على أداءه ولا نختلف على وطنيته ، وألا لكان الزعيم الراحل ياسر عرفات هو كبيرهم الذي علمهم السحر، ذلك لأن هذا الزعيم هو الذي أسس وشق وعبد طريق الدبلوماسية ومسارها كأحد أشكال النضال وخياراته أستجابة للمتغيرات والتحولات في قواعد اللعبه الصراعية مع الأحتلال في نطاقها الأقليمي والدولي ..
في غمرة المواجهة السياسية على أرضية ساحة الصراع التفاوضية التي تعبر عن صلابة الموقف الفلسطيني على الأقل في حدود مقررات وثوابت وثيقة الأستقلال لعام عام 1988، وثيقة الأجماع الوطني على ثوابت الممكن الفلسطيني (هو التنازل التاريخي بأجماع الفصائل) بعد تصدع الجبهات وإنهيار القلاع والحصون العربية، وهي العوامل التي دفعت بأتجاه هذا الممكن، في غمرة هذه المواجهة وفي ظل أشتداد وطأة الضغوط السياسية والأقتصادية وحتى الانسانية بكل أشكالها المقززه في سبيل أبتزاز وارضاخ الجانب الفلسطيني في مداولات وكواليس المسار السياسي، لا يفتأ المتفيقهين ومحللي بلاط الأحزاب السياسية في معادلة الخصام الفلسطيني، لا يفتئون عن ترداد ذات الأصطوانة منذ بداية مسار التفاوض، حيث تثار مسألة التنازل والتفريط بالثوابت وكيل الأتهامات الجاهزة مع أن هذه التهم لا تستند إلى معطيات وحقائق ومستندات قانونية وثائقية، من شأنها أن تجرم المفاوض وتودعه قفص الخيانة .....
مع تجدد المحادثات وفي كل مرحلة بكل ما تحمله من أفكار وسجالات تفاوضية بين الجانب الفلسطيني والأسرائيلي وأخرها أفكار كيري وخطته الأمنية، يأخذ النقاش السياسي التجريمي وليس النقدي للاسف، طابع محاكم التفتيش السياسية أو المحاكم الغيابية من قضاة غير مؤهلين سياسيا وغير متوازنين في أحكامهم الجاهزة (ما اسهل تهمة الخيانة) .... .. هذه المهزلة التي لا تراعي مبادئ المهنة الصحفية أو التحليلية، تقتضي الوقوف عليها بكل مسؤولية، ليس دفاعا عن أحد أو تزلف للسلطة وأنما لقوة المنطق في ظل غوغاء المطبلين والمزمرين من اللسانيين في ساحتنا السياسية الغائبين عن ساحتنا الصراعية الا بالحناجر وضد من؟ ضد الفريق المفاوض! ...
تثبت الحقائق وجل تسريبات مسار التفاوض منذ أوسلو وحتى أخر جلسات التفاوض بين ليفني وعريقات، أن المفاوض الفلسطيني، لم يحد عن سقف الأجماع الوطني إذ يعلن في السر وفي العلن ذات مضامين الخطاب التفاوضي دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية كاملة السيادة على حدود 1967 وحل عادل لقضية اللجئين، مع كل ما يصاحب ذلك من رفض الحلول الأنتقالية والدولة المؤقتة، والسؤال هنا عن أي تنازل يجري الحديث من قبل الزهار وخالدة جرار ومن لف لفهم؟ وهل ثمة مدعاة لهذا الخطاب التحريضي على المفاوض؟ كنت سأتفهم أي دور سياسي ناقد وليس تخويني، كنت سأحترم سلوك سياسي يأمن ظهر المفاوض من خلال التظاهر ضد ضغوط الولايات المتحدة وليس ممارسة الزجل السياسي في فضائيات حزبية تهدف إلى تسجيل النقاط وتمارس الحرق السياسي والأغتيال السياسي اللاأخلاقي والبعيد كل البعد عن مصالح الوطن (صحفي على قناة الأقصى، السلطة لا تؤتمن وستفرط بالمزيد من الثوابت) ...
إن أكثر من يغيظني في هذا الترف السياسي، هو التنازلات! ومن كثرة الحديث عن هذه المأثمة الوطنية تجدني أتفحص الوطن أو أن شئت بقايا الوطن في الضفة والقدس وغزة، والحقيقة لا أجد أي تغير في المعادلة القائمة، من أحتلال وسياسات تعسفية تقابلها سلطة تحت الأحتلال ومفاوض يخوض معركة الأرادات السياسية الصراعية رغم غياب التكافأ في موازين القوى. ..
جدير بجوقة التعهير السياسي أن ترتقي للمسؤولية التاريخية وأن تكف عن السياسات الحزبية، فنحن لسنا في نظام سياسي مستقل فلنرحل مناكفاتنا ومنافساتنا ألى ما بعد التحرر، حيث أن جلد المفاوض على ذنوب لم يثبت أقترافها في ظل معادلة الأحتلال والصراع معه، ستصب في مصلحة الأحتلال وتكشف ظهر المفاوض وتضعفه بكل المعايير ...
كلمة أخيرة، لا يوجد أي سند أو وثيقة تدل على التورط بأي تنازل سياسي، وعلى الفلسطيني أن يأمن جانب مفاوضه السياسي الذي لا ينفك عن التأكيد على ثوابته سيما ربطه مسألة التوقيع على أي أتفاق سلام، بأستفتاء الشعب عليه، بمعنى أخر، مهما ذهب المفاوض في حلوله وتسوياته يبقى الشعب سيد الموقف وصاحب الكلمة الفصل بين توقيع الأتفاق من عدمه ......