الإعلان عن مراسم وداع وتشييع القائد الوطني المناضل الكبير اللواء فؤاد الشوبكي    "مركزية فتح": نجدد ثقتنا بالأجهزة الأمنية الفلسطينية ونقف معها في المهمات الوطنية التي تقوم بها    17 شهيدا في قصف الاحتلال مركزي إيواء ومجموعة مواطنين في غزة    الرئيس ينعى المناضل الوطني الكبير اللواء فؤاد الشوبكي    سلطة النقد: جهة مشبوهة تنفذ سطوا على أحد فروع البنوك في قطاع غزة    و3 إصابات بجروح خطيرة في قصف الاحتلال مركبة بمخيم طولكرم    الرئيس: حصول فلسطين على العضوية الكاملة في الأمم المتحدة سيسهم في بقاء الأمل بمستقبل أفضل لشعبنا والمنطقة    "استغلال الأطفال"... ظاهرة دخيلة على القيم الوطنية وجريمة يحاسب عليها القانون    "التربية": 12.799 طالبا استُشهدوا و490 مدرسة وجامعة تعرضت للقصف والتخريب منذ بداية العدوان    الاحتلال يشرع بهدم بركسات ومنشآت غرب سلفيت    الاحتلال يعتقل شابا ويحتجز ويحقق مع عشرات آخرين في بيت لحم    10 شهداء في استهداف شقة سكنية وسط غزة والاحتلال يواصل تصعيده على المستشفيات    استشهاد مواطن وإصابة ثلاثة آخرين خلال اقتحام الاحتلال مخيم بلاطة    الجمعية العامة للأمم المتحدة تعتمد بالأغلبية قرارين لدعم "الأونروا" ووقف إطلاق النار في غزة    الاحتلال يعتقل 10 مواطنين من الضفة بينهم مصاب  

الاحتلال يعتقل 10 مواطنين من الضفة بينهم مصاب

الآن

بين كتابين: "عشت في زمن عرفات" و "ياسر عرفات وجنون الجغرافيا" - تيسير نصر الله


أتاحت لي العاصفة الثلجية التي عصفت بالبلاد، وخلودي إلى الراحة في البيت، مكرهاً، فرصة نادرة للجلوس بين الكتب وممارسة هوايتي المفضلة في قراءتها، فلقد كنت أمارس هذه الهواية في فترات متفاوتة من حياتي، وخاصة تلك التي أمضيتها في السجون الإسرائيلية، او في فترة الإبعاد القسري، أو بين الحين والآخر للتعليق على كتاب أو رواية أو قصة، فالقراءة متعة حقيقية، وهي عادة حميدة احاول أن أمارسها بإستمرار لولا ضغط العمل، ودخول التكنولوجيا الحديثة إلى حياتنا في محاولة منها إلى سرقة الوقت وإلتهامه إلتهاماً منا، وصدقاً، وبعد التجربة، فإنه لا شيئ يغني عن قراءة الكتب، سواء كان تصفح كتاب على الإنترنت، أو قراءة مقال عبر صفحات التواصل الإجتماعي، أو غير ذلك من الوسائل.

المهم، أنني كنت أمام كتابين، لكاتبين من الأسماء اللامعة في السماء الفلسطينية، جمعتهما قواسم مشتركة كثيرة، ومارسا نفس المهمة في مواقع مختلفة، مهنة الإعلام والصحافة، وشاركا في تأسيس صوت العاصفة تلك الإذاعة التي كان مجرد الاستماع إليها يعتبر تهمة يعاقب عليها قانون الظلم الإسرائيلي، ويكفي لقضاء فترة ليست بسيطة في السجون الإسرائيلية، كان صوت العاصفة الغذاء الروحي والمعنوي للفلسطينيين في كل مكان يصله البث، ولكن مفعوله السحري كان هنا في الأراضي الفلسطينية المحتلة، يشحذ الهمم، ويوجّه الفدائيين ومجموعاتهم، ويعبّئ الجماهير الفلسطينية المتعطشة لفكر الثورة وأدبياتها. ومارسا كلاهما مهمة الناطقين الرسميين، والتصقا قرباً بقائد الثورة الفلسطينية الشهيد ياسر عرفات في حلّه وترحاله، وكرّسا حياتهما تحت إمرته في السياسة والاعلام، والقيادة، والعمل الدبلوماسي، والسجون العربية، عاشا لحظات الخطر معه وبقربه، لدرجة الإحساس بالموت وتذوق طعمه في اكثر من مرحلة، ورحلة، وإرتحال.

لا أنكر أبداً، أنّ أسلوب الكتابة قد شدّني، وإستحوذ على إهتمامي، وكأني أمام روائيين في الزمن الجميل للرواية، فهل أنّ ما كتباه سيرة ذاتية، خصوصاً إذا ما علمنا أنّ الكاتبين يستعرضان تاريخهما في الكتابين ولو بشكل متفاوت بينها؟ أم أنه تأريخ لمرحلة سياسية معينة عاشاها، وأرادا توثيقها في كتابيهما: " عشت في زمن عرفات لأحمد عبد الرحمن، و " ياسر عرفات وجنون الجغرافيا " لنبيل عمرو؟! إلاّ أنّ التشويق بقي ملازماً لي أثناء القراءة، فكنت أجد نفسي أمام أحداث عاشها الكاتبان لحظة بلحظة، وما أحتاجه أنا هو إعادة إسترجاع معلومات أو أحداث كاد الزمن أن يطويها من ذاكرتي، انهما شهود عيان، يرويان الرواية كاملة بإسلوب مشوق، مقترن بمعلومات حية من المصدر نفسه وليس نقلاً عن فلان أو علان، وهذا ما أضاف قيمة إضافية للكتابين. ولكي أكون منصفاً وحيادياً، فأنا لست بصدد إجراء مقارنة بين الكتابين، أو نقد لهما، فسأترك ذلك للنقاد والمختصين في هذا المجال، فهذه ليست مهمتي أو مجال إختصاصي، بل سأتيح لنفسي كتابة رأيي بصراحة فيما جاء بين صفحات هذين الكتابين الهامين، داعياً عشاق القراءة إلى الغوص فيهما كما فعلت.

كتاب " عشت في زمان عرفات " يروي تاريخ الثورة الفلسطينية، وحركة فتح بتسلسل زمني رائع، وتوثيق لتجربة أشغلت العالم كله، ولرجل حفر إسمه في سجل الخالدين، ابهرت شخصيته قادة العالم، وإقترنت فلسطين به وإقترن بها، وصارت الكوفية التي يعتمرها فوق رأسه رمزاً من رموز الشعب الفلسطيني، وعنواناً لثوار الحرية في العالم أجمع، ولرجال إرتقوا إلى العلياء بعد أن بهروا العالم ببطولاتهم وشجاعتهم وقدرتهم على القيادة في ظروف غاية في التعقيد امثال خليل الوزير " ابو جهاد " وسعد صايل " أبو الوليد"، وأبو علي إياد، وممدوح صبري صيدم " أبو صبري"، وابو يوسف النجار، وكمال عدوان، وعلي أبو طوق "، ولمثقفين وشعراء وأدباء سجلوا أسماءهم بين كبار المفكرين العالميين امثال خالد الحسن "أبو السعيد"، وماجد أبو شرار، وصلاح خلف " ابو إياد "، ومحمود درويش، وغسان كنفاني، وصخر حبش " أبو نزار "، وشفيق الحوت، وهاني الحسن، وغيرهم.

إنّ الكتاب مليئ بتفاصيل التفاصيل لأحداث مهمة، تلك التي يعرف بعضها جيلي، أو سمع عنها، ولكنه لا يعرف حيثياتها وأسرارها، فالكاتب تربطه علاقة عمل مع قائد الثورة الذي يعرف جيداً قيمة الإعلام والخبر، ويوظفه أفضل توظيف في خدمة مشروعه الوطني، ويقرّب الإعلاميين حوله لذات الهدف ويتدخل في الصياغة، وأحياناً يضع عنوان الخبر، ويسهر طول الليل لمتابعة ٍنشر الخبر في صباح اليوم التالي، ويتابع كل صغيرة وكبيرة في وسائل الإعلام المختلفة، كل ذلك يجعلك تقف امام هامة عالية، ومدرسة لا مثيل لها، بكل إحترام وتقدير، وتذهب، أثناء القراءة، بعيداً في الغوص في أعماق الذكريات، والأحداث التي شكّلت بمجموعها تاريخ الثورة الفلسطينية المعاصرة، وتشكيل المجموعات الأولى، ولحظات الخوف الحقيقية أثناء دخول تلك المجموعات الى الأراضي المحتلة، والسعي إلى إقامة أكبر تحالف وطني فلسطيني من خلال الإنضمام الى منظمة التحرير الفلسطينية، ولو عرف الفلسطينيون كم أرتقى الى العلا شهداء من اجل إستقلالية القرار الفلسطيني المستقل لحافظوا على حركتهم ومنظمتهم بأهداب العيون وحدقاتها.

وأشد ما لفت نظري في الكتاب تلك المغامرات التي عاشها الكاتب احمد عبد الرحمن مع القائد الشهيد ياسر عرفات أثناء حصار بيروت، وما كان ليؤدي، في كثير من الحالات، إلى استشهادهما، لولا تدخل العناية الإلهية، او الحذر الشديد، وما يسمى بالحاسة السادسة لدى الرئيس عرفات. وتدخل ، كذلك، في العلاقة بين قادة الثورة، والمؤسسين الأوائل، ويزيدك ذلك إحتراماً للتقاليد الديمقراطية التي نسجوها في غابة البنادق، يختلفون في الكثير من الأمور، ولكنهم في نهاية المطاف يتفقون على الحد الأدنى من المواقف السياسية، تزداد إحتراماً للدكتور جورج حبش، ونايف حواتمه، وأبو علي مصطفى، وغيرهم من قادة فصائل العمل الوطني الفلسطيني، وتبهرك أيضاً الحياة التي عاشها الكاتب بين المقاتلين ودورهم في صناعة التاريخ الفلسطيني المجيد.

أما كتاب " ياسر عرفات وجنون الجغرافيا " فهو يؤرخ لفترة زمنية مهمة عاشها الكاتب " نبيل عمرو " مع الشهيد ياسر عرفات، دون ان يراعي التسلسل الزمني للأحداث كما فعل أحمد عبد الرحمن، فترى نفسك تنتقل من فترة زمنية إلى أخرى ضمن فصول تروي أحداثاً بعينها، مرتبطة إرتباطاً وثيقاً بحركة ياسر عرفات التي يصعب ضبط إيقاعها، او التنبؤ بمسارها متعدد الإحتمالات والأوجه. حيث يروي الكاتب كيف تعرّف على ياسر عرفات من خلال عمله في إذاعة صوت العاصفة، وعلاقته بالشهيد ماجد أبو شرار، وإنتقاله للعمل في لبنان مما أتاح له فرصة الإلتقاء بعدد لا بأس من مؤسسي فصائل العمل الوطني الفلسطيني، وقادة العمل العسكري الفلسطيني، والتوحد مع المقاتلين، وسرد تفاصيل مهمة عن فتح ومؤتمراتها الحركية ودخوله عضواً في مجلسها الثوري، وكيف كان " ابو عمار " يدير شؤون الحركة ويبني العلاقات مع مختلف رؤساء العالم، وقدرته الفذّة على إٍقامة تحالفات مع هذا الزعيم، أو هذا النظام، وسرعان ما تعود تلك العلاقات إلى التوتر نتيجة هفوة هنا، أو غلطة هناك، من هذا الفصيل الفلسطيني أو ذاك. فمجرد إذاعة خبر في صوت العاصفة من شأنه أن يوتّر الأجواء مع أنظمة عربية، ولكي تعود إلى سابق عهدها تحتاج لحركة دبلوماسية نشطة من قبل القيادة الفلسطينية بين هذه العواصم.

ما راق لي اثناء القراءة هو تناول الكاتبين علاقة ياسر عرفات بالعديد من زعماء العالم، وتدخله لحل العديد من الخلافات الدولية بين دول وزعماء، ليظهر للعالم أجمع أنه ليس زعيماً للفلسطينيين، أو قائد ثورتهم فحسب، بل على أنه زعيماً أممياً، يجيد بإتقان فن العلاقات العامة والدبلوماسية ولعب الأدوار وشد الحبال.
وصدقاً، فلقد إلتقيت بياسر عرفات مراراً وتكراراً ولدي تقييم شخصي له، ولكنني إزددت إعجاباً وإحتراماً له بعد قراءتي ل " عشت في زمن عرفات" و " ياسر عرفات وجنون الجغرافيا"، وكلذلك إزددت إعجاباً بالكاتبين أحمد عبد الرحمن ونبيل عمرو، فلهما مني كل مودة وإحترام، على أمل أن نرى أعمالاً أدبية جديدة لهما للإضاءة على قضايا ما زالت في ذاكرتهما، ليطلع عشاق القراءة على تفاصيل أكثر عن الثورة الفلسطينية، ودهاليز السياسة، وحجم المؤامرة على القضية الفلسطينية.

za

إقرأ أيضاً

الأكثر زيارة

Developed by MONGID | Software House جميع الحقوق محفوظة لـمفوضية العلاقات الوطنية © 2024