سجون المصطلح - محمود أبو الهيجاء
في لغة السياسة وخطاباتها ثمة مصطلحات تكاد تتقدس لفرط استخدامها لمناسبة ودونها، والمصطلح حسب تعريفات اكاديمية، كلمة اوعبارة تستخدم في سياق نوعي وتشير الى مفهوم دقيق ومحدد في هذا السياق، وكلما استخدم الخطاب السياسي المصطلح خارج سياقاته النوعية، وكلما اشتهى لغته الدعائية او التعبوية، تحول المصطلح الى ايقونة يصعب الخلاص من دلالاتها المثالية، بل والى سجن بجدران عالية، يفصل الخطاب عن الواقع ومعطياته ويقوده الى متاهات التخلف والتخريف الذي غالبا ما يكون متطرفا في طروحاته الراديكالية.
وفي بعض خطاباتنا السياسية/ الحزبية الفلسطينية، تحولت بعض المصطلحات فيها، الى شعارت ايضا، وباتت كثوابت لايمكن التراجع عنها خاصة هذه التي تنطلق من ارضيات نظرية محددة، اكل الدهر عليها وشرب، اتحدث عن مصطلحات خطاب التحليل السياسي اليساري مثلا الذ ي ما زال يرى الخلفيات النظرية، وصفة للتقييم الوطني او الثوري، او ما زال يرى الممكن الرشيد في الطبيعة النظرية، لا في الطبيعة الواقعية ولا في اشتباكاتها الاجتماعية وتحولاتها في القيم والمفاهيم معا، وبصراحة اكثر اتحدث عن مصطلحات/ شعارات، ما زالت في خطاباتنا تكلفنا الكثير من الالم والمعاناة وحتى الدم، ومقياس الوطنية والثورية عندنا ما زال حتى اللحظة استعراضيا في اللغة واحابيلها البلاغية، ناهيك عن ارتباطه بمصالح تمويلية او حزبية تظل ضيقة على طول الخط.
وبعيدا عن الاستعراض والمصالح الضيقة ثمة استخدام مجاني لمصطلحات بحد ذاتها وثمة استخدام لامعرفي لها ان صح التعبير، كمصطلح « مفاوضات عدمية مثلا» الذي يكاد يكون جملة لازمة في خطاب المماحكة الحزبية المعترض على التفاوض والمفاوضات، والعدمية كما نعرف هي تقريبا عدم الاعتقاد بشيء وتقود الى الاحباط والشك العميق بكل ما هوموجود، وهذا في الفكر والفلسفة، اما في السياسة وعملها فلا عدمية طالما ان السياسة راهن متحول وطالما انها مرتبطة بموازين قوى لايصح اعتبارها مطلقة في الزمان والمكان أبدا.
وباختصار شديد عندما يتحول المصطلح الى سجن ينبغي تحطيمه بالرؤية الواقعية ولغتها التي تظل بلا قداسة الايقونة ومثالياتها.