المصالحة كبرد ما بعد الثلج .... وتعريب العلوم - جهاد حرب
(1) مبادرات لمصالحة باردة
بشرت خطوات اسماعيل هنية التي اعلن عنها الاسبوع الماضي؛ اطلاق سراح معتقلين والسماح لعودة أفراد اجهزة أمنية وحركة فتح الى قطاع غزة ونواب عن حركة فتح كذلك، ومكالمته الرئيس الفلسطيني باقتراب حلول المصالحة الفلسطينية. لكن المحادثة التي جرت ما بين مسؤول ملف المصالحة في حركة فتح عزام الاحمد وهنية خيبت الامال من جديد بعد طلب الاخير وقت للمشاورات للنطق بالكلمة أو المفتاح السحري للمصالحة وهي الموافقة على تشكيل الحكومة وإجراء الانتخابات.
تظهر عودة اللقاءات أن الحركتين "فتح وحماس" تحتاجان الى المصالحة كل واحد منهما لغاياته، فحركة فتح تستشعر قرب دفع ثمن المفاوضات أو الاقتراب من اتخاذ قرارات مصيرية لا تستطيع دفعها لوحدها أو دون موافقة الفصائل الفلسطينية، أو داعم لرفضها أو تحفظها على بنود اتفاق الاطار الذي يسعى له وزير الخارجية الامريكية جون كيري خاصة في مجال الاعتراف بيهودية دولة اسرائيل، في ظل الضعف العربي والانشغال في الأوضاع الداخلية أو الصراع في سوريا.
فيما حركة حماس تحتاج للمصالحة للخروج من مأزقها الحالي، أو هي منقذ لها، نتيجة فشلها في الحكم وعدم قدرتها على مجابهة التحديات الطبيعية مثلما حصل في المنخفض الجوي الاخير وغرق اجزاء من القطاع بالمياه، وعدم قدرتها على دفع رواتب موظفيها لوقف الدعم الايراني الاساسي لها الناجم عن موقفها في الازمة السورية من ناحية والحصار الخانق خاصة بعد ثورة 30 ينويو/ حزيران، لموقف حركة حماس وحكومتها منها، ليس فقط جغرافيا بل سياسيا بعد انحسار الموجة الاخوانية والقطرية في المنطقة وبروز تحالف مناهض له مكون من دول مركزية في البلاد على رأسها كل من مصر والسعودية.
بغض النظر عن اسباب كل واحد منهما فإن الوحدة هي قوة الدفع الوحيدة للشعب الفلسطيني دونها فَقَدَ ويَفْقِدُ روحه، وعافيته، وقدرته على الصمود، ومكامن قوته، والقدرة على مجابهة الاعداء "والمؤامرات" والضغوط ليست فقط الاسرائيلية والأمريكية بل ايضا ظلم ذوي القربى وانشغالاتهم.
الحديث عن المصالحة طوال السنوات الماضية كان مفعما بالامل لكنه أيضا مليء بالنكسات والتراجعات والبرود؛ كبرد منخفضات الايام الماضية - ما بعد الثلجة أو غرق غزة - دون هطول للمطر انما صقيع يلفح الوجوه ويكسر العظام ويدخل المرض لأجسادنا. فهل سنسمع الكلمة المفتاحية للمصالحة المتمثلة بالموافقة على تشكيل حكومة الكفاءات وتحديد موعد الانتخابات بدلا من برد الانقسام والمبادرات المتناثرة أو القليلة المؤجلة للمصالحة.
(2) تعريب التعليم: اعادة الاعتبار للغة أم تجهيل جديد
تمثل رسالة وزير التربية والتعليم العالي في حكومة حماس د. اسامة المزيني للجامعات في قطاع غزة على تعريب المواد العلمية كالطب والهندسة والفيزياء التي تُدرسْ باللغة الانجليزية في الجامعات بحجة التسهيل على الطلبة وخلق امكانيات الابداع عندما يستخدمون لغتهم الاصلية، صدمة جدية لبنية التعليم والتحاق المجتمع الفلسطيني بركب الحضارة الانسانية. والأدهى أن القائمين على القرار أو التوصية قدموا مثالا على تدرس هذه المواد في ليبيا وسوريا باللغة العربية وهو أسوء مثال يمكن ان يقدم فكلاهما لم يقدما لهذه العلوم ما يفيد أو يطور فيها لتكون مركزا حضاريا يُقتدها بهما.
هذا الامر كان يمكن ان يكون جيدا لو اننا محورا من محاور التقدم العلمي ليجبر الاخرين على ترجمة علومنا للغات اخرى أو يجبرون على تعلم لغتنا للحصول على هذا العلم أو ذاك. هذا القرار ليس فقط سيضعف التعليم بل سيخرج متعلمين غير قادرين على التعامل مع العالم وغير قادرين على تطوير قدراتهم مستقبلا لغياب اللغة السائدة في هذه العلوم المتخصصة. فبدلا من اجراء تغييرات من هذا النوع ينبغي تحسين تعليم اللغات في المدارس وانفتاحها على العالم بدلا من الانغلاق على الذات ومنع تطوير راس المال الفلسطينيي الوحيد الذي يفخرون به وهو القدرات البشرية.
هذا الخبر مر مرور الكرام للأسف دون تعليق من قبل التربويين أو المؤسسات ذات العلاقة الرسمية منها والاهلية للتنبيه لمخاطر مثل هذه القرارات التي يبدو أن دافعها هو التميز عن الجانب الاخر من الوطن، أو اصدار قرارات اشكالية تبرز اصحابها بغاية الظهور، أو انها تدل على جهل وإمعان في الانغلاق. لكنها في كل الاحوال تقضي بالتجهيل أو بأحسن الحالات تؤدي الى تدمير الاجيال القادمة مما ينطبق عليها القول "الطريق الى جهنم مليئة بالنوايا الحسنة" اذا كان الدافع من وراء هذا القرار اعادة الاعتبار للغة العربية.