مأزق فتح.. أم مأزق الجميع؟ - د.صبري صيدم
كتب أحد الإخوة مقالاً في الآونة الأخيرة يتحدث فيه عن مأزق حركة فتح مشيراً وبشكل كبير إلى عددٍ من القضايا والتي بدا البعض منها واقعيا بينما طال الشطط البعض الآخر باعتبار أن فتح هذه الأيام باتت العنوان الأسهل للهجوم والانتقاد والعتب واللوم وحتى الذم والقدح.
اثار هذا المقال التفكير بظاهرة مهمة تعيشها حركة فتح هذه الايام خاصة في هذا الزمن الحساس. ففتح بالنسبة للبعض اليوم الشريك القريب البعيد الذي يريده هؤلاء ليحميهم ويبرر وجودهم فيحتمون بعباءته ويستظلون بظله ويسيرون مشروعاتهم ومبادراتهم في حماه والذي أيضاً لا يتوانوا في الهجوم عليه وتحميله مصائب الدنيا وكوارثها بينما يعفون انفسهم من المسؤولية وينفضونه أيديهم منها وكأنهم منزّهون عن الخطأ ويمتلكون دائماً ناصية الصواب.
نعم فتح أخطأت وتخطئ ولعل ما قاله رئيسها في افتتاح مؤتمرها السادس كان واضحاً عندما صارح الجميع وعلى الملأ بأن فتح قد ارتكبت أخطاءً وخطايا لكن هذا لا يجعل من هو خارجها ملاكاً ولا نبياً.
الكل خطاء لا محالة ولو أننا اخترنا أن نجري دراسة مقارنة بين قائمة من الأمور لوجدنا قواسم مشتركة باتت تشكل تحديات كبيرة كالفساد والممالك الشخصية ودكاكين العمل الفردي ومربعات المال والمشاريع الممولة والمتعددة والمتضاربة.
نعم فتح تحتاج لجردة حساب مهمة في عملها وأدائها ونسيجها ومسارها لكن السؤال الأهم: من ذا الذي لا يحتاج ذات المهمة؟ ومن من العاملين والقائمين في الحيز العام من مؤسسات أكاديمية وعامة وخاصة وأهلية ومستقلة وفصائلية لا يحتاج إلى مراجعة الذات والأداء والموقف؟
لذا فإن المسؤولية جمعية شاملة لا انتقائية متفرقة تنسج على هوى ورغبات شخصٍ ما أو مؤسسةٍ ما. فلو تغير العنوان وكتبنا عن مأزق اليسار أو مأزق المجتمع المدني أو مأزق القطاع الخاص أو مأزق المستقلين أو مأزق حماس أو مأزق الفصائل أو مأزق المنظمة لوجدنا تقاطعاً مهماً وتطابقاً في العديد من النقاط فكلنا في الهم شرق.
لكن البعض يستسهل الهجوم على فتح راكباً مطيتها مستخدماً ضعفها ومستهوناً انتقادهاً ليس دائماً وحتى أكون عادلاً من باب الإساءة ولكنهم ومنهم صاحب المقال المذكور ينشدون صلاحها كون في صلاحها ونجاعتها قوة للجميع. لذا فإنني كثيراً ما أقدر ما يقال لكن لا يعقل بأن يأتي أصحاب القول لينفضوا أيديهم من المسؤولية وينزّهوا أنفسهم من الأخطاء وكأنهم يقولون: اذهب أنت وربك فقاتلا إنَا هنا لقاعدون.
نعم حركة فتح تأثرت بسلطة كانت هي عمادها ذات يوم لكنها ليست دائماً السلطة وليست دائماً الحكومة وليست دائماً المنظمة. فمن قال إن الفتحاويين جميعاً يجمعون على المفاوضات مثلاً؟ ويقبلون بقائمة طويلة من الأمور الواضحة للعيان والمستتر البعض منها؟
كلنا نمتلك مواقفنا ولكننا نمتلك معها مساحة من الحكمة والانضباط والمسؤولية وقدراً كبيراً من الهدوء يفهمه البعض أحياناً إذعاناً وضعفاً وتردداً داخل فتح إطاراً وجماهيراً لكنه بالمطلق ليس كذلك.
لهذا فإن مأزق فتح هو مأزق الجميع وإن كانت لاعتباراتها التاريخية والمعنوية والجماهيرية تتحمل وزرا كبيراً ومسؤولية تاريخية لا تنتهي.
لذلك فليقل أصحاب القول المفيد كلامهم دونما أن ينفضوا عن كاهلهم المسؤولية.. فنحن لسنا في زواج مصلحي شركاء في النصر والنجاح وفرقاء في الهم والتراجع والمأزق! على الأقل أتمنى أن لا يكون هذا هو الحال.
s.saidam@gmail.com