إسرائيل اليهودية ... تكسب الأعداء - جمال ابو لاشين
قبل يومين انتقد رئيس الوزراء الإسرائيلي ( بنيامين نتنياهو ) الفلسطينيين لمعارضتهم بقاء مستوطنين يهود في إطار الدولة الفلسطينية المستقبلية معتبرا أن هذا الموقف ينطوي على ( التطهير العرقي ) مشيرا أن العديد من المواطنين العرب يعيشون في دولة إسرائيل . في نفس الوقت هاجم الموقف الأوروبي الرافض للاستيطان متهما دوله الكبرى ( بالمنافقة ) .
هذان الموقفان من نتنياهو يؤكدان جملة من المفاهيم باتت تميز إسرائيل في عصر العولمة والانفتاح على العالم ومنها : 1. اتجاه إسرائيل الواضح في كسب الأعداء , وهو جزء من عزلها الواضح لنفسها عن محيطها , واقترابها من مقاطعتها لدول العالم . 2. فقدان إسرائيل القدرة على مواصلة طريق السلام , لإحساسها عبر سنوات الاحتلال للضفة والقطاع بأنها صاحبة الحق فيهما وفي ملكيتهما وبالتالي هي من يفرض منطقها , وكل ما يريده الفلسطينيون تتجاهله , ويتم تمييعه بقصد ، على أمل أن تصل إسرائيل لسلام هي تريده لا ما يحقق الدولة الفلسطينية ، أي دولة فلسطينية برؤية إسرائيلية . 3. لا ترى إسرائيل شريكا لها في السلام وبالتالي تواصل ترسيم خطوط تخوم واضحة تلاءم تسيدها على الشعب الفلسطيني وهو ما حددته عبر بناء الجدار في الضفة على أراض فلسطينية , وتفجيرها قضية السيادة على الأغوار لتحيط الضفة شرقا وهكذا تبقيها جزيرة معزولة وسط محيط إسرائيلي , تتماشى ورؤية إسرائيل أن تقليص مساحة الصراع جغرافيا سينهيه . 4. تمازج وتداخل واضح بين المعسكرين الديني والعسكري وفرض المعسكر الديني وجهة نظره على السياسي بدعم واضح من العسكري الذي فقد قدرته على الردع في السنوات الأخيرة وبات أكثر تمسكا بالعنصر الديني الذي وصلت أعداده لحوالي نصف مليون مستوطن يحيطون بالضفة الغريبة التي جرى تقطيعها. في الأعوام الأخيرة طرح العديد من المفكرين الإسرائيليين التغيرات التي طرأت على دولة إسرائيل , وأجمع معظمهم على فكرة واحدة مفادها أن إسرائيل التي قامت في العام 1948بكل مبناها المؤسسي والفكري لم تعد موجودة اليوم ويرجعون السبب في ذلك لانتقال ارتباط إسرائيل من بريطانيا للولايات المتحدة الأمريكية الأكثر تدينا , وأقل علمانية وهو ما عكس نفسه بالمقابل في إسرائيل , وأدى لانتقالها عبر محطات عدة لتصبح أكثر تطرفا بحيث بات المعسكر الديني يملك تأثير في الجيش والجمهور الإسرائيلي , ساعده في ذلك انكفاء اليسار الإسرائيلي الذي بات متهما بالخيانة , والحرب على الإرهاب التي خاضتها أمريكا ولا تزال إسرائيل حتى اللحظة تجيد استخدامها رغم عدم دخولها بشكل مباشر في تحالف دولي ضد الإرهاب في حربين عنونتهما الولايات المتحدة تحت هذا المسمى في ( العراق وأفغانستان ) .
إن إسرائيل التي حاولت بعد قيامها على الدوام ربط نفسها بأوروبا المتقدمة وتطرح نفسها كجزء من نسيجها وحضارتها باتت اليوم تهاجمها وهو ما يؤكد إلى أي مدى نالت التغيرات من إسرائيل التي أصبحت أكثر جنونا وهمجية حسب وصف وزيرة الخارجية تسيبي ليفني والمقتبس عنها في تقرير غولد ستون حيث تقول " إسرائيل ليست دولة إذا أطلقت عليها صواريخ لا ترد , هي دولة ترد بهمجية وهذا أمر جيد " . في الضفة الغربية بنوا الجدار العنصري , وقاتل المستوطنون المدعومون بقوة ماديا ومعنويا على نهب كل متر من الأرض الفلسطينية ، وتلوى الجدار في الأراضي المحتلة عام 1967 وفي قطاع غزة سكن سبعة آلاف مستوطن على 22% من أراضي القطاع بينما مليون وستمائة ألف عاشوا على ما تبقى من الأرض . ما الذي يفعله المستوطنون سواء في الضفة أو الذين كانوا في القطاع قبل نقلهم ليستوطنوا في الضفة بعد تعويضهم , يعمرون الأرض ويخططونها بشكل جيد يريدون أن يروا تل أبيب في المستوطنات المقامة على الأراضي الفلسطينية , هؤلاء يعيشون خارج الواقع وسط حشود فلسطينية لا تقبلهم , فلم تكن يوما العلاقة بينهم فيها أي نوع من السلام , فالعلاقة بينهم علاقة محتل ينظر للطرف الأضعف بمنطق ( أنا من يقرر في وقت لا تملك سوى خيار الاستجداء سلما أو حربا ) فكيف لهؤلاء أن يعيشوا في الدولة الفلسطينية المستقبلية , هؤلاء من عقد الوصول لاتفاق نهائي , لذلك رفض الاتحاد الأوروبي على الدوام استيطانهم , هم مكانهم ليس في الضفة الغربية ,وليسوا في موقف مشابه للفلسطينيين الأصليين الذين بقوا على أراضيهم بعد النكبة عام 1948 , ولا وجه للمقارنة بين رافضي التعايش والقابلين به ولا مجال بتاتا لهؤلاء المستعمرين على أرض ليست لهم أن يكونوا جزءا من نسيج مجتمع فلسطيني يحرقون زرعه ويرهبون أهله بالاعتداء المتكرر عليهم .
إن إسرائيل بتعديها على حقوق فلسطينيي العام 1948 أصحاب الأرض الأصليين ومساواتهم بالمستوطنين إنما تنفذ الآراء المتطرفة لليبرمان وزير خارجية إسرائيل الحالي الذي يريد إسرائيل نقية منهم , للتمهيد لشرطهم الذي لم يعد له معنى سوى تعطيل المفاوضات والقاضي باعتراف فلسطيني بيهودية إسرائيل , وهو ما لم ولن تحصل عليه فلسطينيا أو عربيا ولا حتى بغطاء أمريكي فليس هناك من يريد الانتحار سياسيا وليس هناك ثمن إسرائيلي دفع في الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني , ولا تزال إسرائيل تفتقر لأدنى حدود الشجاعة للحل مع الفلسطينيين ولا تملكها , وما يحدث حتى اللحظة لا يعدو كونه تبريد لجبهة الصراع وسير إسرائيل تحت خيمة يهوديتها التي باتت وصفة لكسب الأعداء .