الشهيد عزمي الصغير ..- عيسى عبد الحفيظ
في مدينة الرحمن وفي عام 1937 انطلقت الصرخة الاولى للطفل الوليد عزمي الصغير. هذا الفتى سيشب وسيشهد ضياع فلسطن عام النكبة, وسيرى جموع شعبه تغادر قراها ومدنها وبيوتها لتلجأ الى اماكن اخرى في الجزء المتبقي من فلسطين والغالبية الى الدول المجاورة, لكن وفي كلا الحالتين كانت مخيمات اللجوء هي القاسم المشترك, وحياة العوز والاضطهاد والحاجة الى انتماء وطني واضح وهويته وطنية فلسطينية.
ولم تمض سنوات كثيرة حتى كانت نكسة حزيران 1967 ليحدث مع عائلة عزمي ما حدث للشعب الفلسطيني وليجد عزمي نفسه تحت الاحتلال يحجب عنه نور الشمس ونسيم الحرية, فما كان منه الا ان يلتحق بالمجموعات الاولى للثورة وتحديدا لحركة فتح في قاعدة الاستطلاع 404 على نهر الاردن قرب الشونة الجنوبية, بعد ان صال وجال في الرصد العسكري تحت امرة المناضل زكريا عبد الرحيم (مجدي) في جبال السلط المطلة على الاغوار.
وعند انتقال الثورة الى الساحة اللبنانية, التحق بجهاز الامن الداخلي للثورة في (صبرا) تحت قيادة الشهيد ابو رمزي العايدي حيث لم تمض فترة طويلة حتى تم تشكيل كتيبة الشهيد ابو يوسف النجار التي اشرف على قيادتها الشهيد عزمي في الجنوب.
على اثر حادثة (عين الرمانة) واندلاع الحرب الاهلية في لبنان وتكالب القوى الانعزالية مع حليفتها اسرائيل وللاسف النظام السوري وسقوط الحكومة اللبنانية والنظام وانقسام بيروت بين غربية وشرقية اصبح الوجود الفلسطيني في لبنان مهددا برمته ما ادى الى سحب كتيبة ابو يوسف النجار بقيادة الشهيد عزمي الى بيروت للدفاع عن الثورة والوجود الفلسطيني وتم تكليفها بمحور القنطاري والاسواق التجارية وبواجبات قتالية في راس المتن والمونتوفيردي وبيت مري لتأمين وصول المساعدات والدعم الى مخيم تل الزعتر الواقع في بيروت الشرقية والذي سجل اسطورة الصمود لمدة 88 يوما قبل ان يتم اخلاؤه.
وما حدث في مخيم تل الزعتر لم يكشف عنه حتى الان بالتفاصيل والخلفيات وسيبقى جرحا مفتوحا في الذاكرة الفلسطينية.
عادت كتيبة ابو يوسف النجار وعاد عزمي الى الجنوب والى منطقة صور تحديدا لتخوض حربا اخرى مع العميل سعد حداد وقواته المرتزقة والحاقدين الذين تلقوا تدريباتهم في حضن الكيان الصهيوني وبشكل علني وصارخ بعد ان قام بسلخ ما سمي بالشريط الحدودي.
وهناك كان هدف عزمي الرئيس هو اقلاق مضاجع الجيش الاسرائيلي من قصف بالصواريخ على نهاريا والمستوطنات الشمالية الى عمليات في العمق في معالوت وشاميرا وزرعت وكان اهم تلك العمليات عملية الشهيدة دلال المغربي وسافوي في تل ابيب.
في عام 1982 قررت اسرائيل وضع حد نهائي للوجود الفلسطيني المسلح في لبنان فقامت بعملية اجتياح واسعة وشاملة اشترك فيها ثلثا الجيش الاسرائيلي بقواته الثلاث الجوية والبرية والبحرية.
لم يفكر الشهيد عزمي بالانسحاب وقرر المواجهة رغم علمه الاكيد بالنتائج المترتبة على ذلك. ويبدو ان التناغم في الصمود والمقاومة كان متبادلا بينه وبين الشهيد بلال في القطاع الاوسط. استطاع عزمي اسر عدد من الجنود وتدمير عدد من الدبابات في البص ومخيم الرشيدية والبرج الشمالي وسجل اسطورة في الصمود والمقاومة وحرب العصابات المتنقلة من مكان لاخر حيث قسم قواته الى مجموعات صغيرة وانتشرت على مساحة واسعة بين اشجار الجنوب.
كان القرار العسكري الاسرائيلي عدم القاء القبض على الاثنين عزمي وبلال وفي حال حصارهما يجب ان تجري تصفيتهما جسديا وبشكل فوري, وهذا ما جرى فيما بعد حيث اكدت المصادر الاسرائيلية بعد فقدان الاتصال مع الشهيدين قائلة تحت عنوان كبير " سقوط ملك صور" في اشارة ذات دلالة تاريخية لا تخفى الى استشهاد عزمي.
حتى الان لم تظهر جثة عزمي ولا جثة بلال فهل تم ذلك تحت شجرة برتقال في الجنوب, ام احتفظت بها الحكومة الاسرائيلية لتقايض عليهما فيما بعد. الدلائل كلها تشير الى اخفاء جثتي الشهيدين عمدا فالاسطورة تخيف اسرائيل والرجال يرعبونها حتى وهم اموات.
عزمي الصغير هذا الفتى الفلسطيني المشاكس والصلب الذي تجري فلسطين بدمائه ونخاعه الشوكي, قرر المقارعة والتحدي رغم اختلال موازين القوى بالكامل ليثبت ان الفلسطيني مقاوم ولا يعرف الاستسلام حتى الحصول على حقوقه الوطنية والانسانية كاملة.
رحم الله شهداءنا واسكنهم فسيح جنانه
وانها لثورة حتى النصر.