لنشد على أيدي الأوروبيين لتعزيز مقاطعة إسرائيل- غازي السعدي
إسرائيل تعيش حالة من الرعب، لكنها تكابر، بسبب تهديدات المجموعة الأوروبية اقتصادياً، فتحت عنوان "إعادة تشكيل العالم"، ينعقد منتدى "دافوس" الاقتصادي العالمي حالياً في المنتجع الشتوي بمنطقة جبال الألب السويسرية بمشاركة (2500) سياسي واقتصادي من حوالي مائة دولة، بينهم حوالي (40) رئيس دولة ورئيس حكومة، فإسرائيل تستغل هذا المنتدى لأغراض سياسية ودعائية واقتصادية، وسط تنامي الحملات الدولية المطالبة بمقاطعتها، على خلفية سياستها الاستيطانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، فرئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو"، ورئيس الدولة "شمعون بيرس" يرافقهما وفد كبير يشاركون في أعمال منتدى "دافوس"، للسعي لجذب الاستثمارات للاقتصاد الإسرائيلي في محاولة لإقناع شركات التكنولوجيا والهايتيك لتعزيز استثماراتها في إسرائيل، فـ "شمعون بيرس" و "نتنياهو" مختلفان حتى في طريقهما لهذا المؤتمر، فالأول حذر أن المقاطعة الاقتصادية الأوروبية أسوأ مما يمكن أن يشكله أي تهديد أمني على إسرائيل، إلا أن الثاني- أي "نتنياهو"- لا يعتقد ذلك، و"بيرس" لا يرى ضرورة بمطالبة الفلسطينيين الاعتراف بيهودية الدولة، بينما يصر نتنياهو على هذه المطالبة لإفشال المفاوضات مع الجانب الفلسطيني –حسب المحللين-.
في التقارير الواردة من القارة الأوروبية، فإن الرأي العام هناك، وكذلك المؤسسات الاقتصادية تعرب عن استيائها من سياسة إسرائيل في الأراضي المحتلة، خاصة سياستها الاستيطانية، وكل قرار إسرائيلي جديد يعلن فيه عن مشاريع استيطانية جديدة، يزيد هذا الاستياء، فالمجموعة الأوروبية، تعتبر الاستيطان مخالفاً للقانون الدولي، ويساهم في إجهاض جهود السلام. فكبار سفراء الاتحاد الأوروبي في إسرائيل أكدوا بأن فشل المفاوضات الإسرائيلية-الفلسطينية للسلام سيقود لمزيد من عزلة ومقاطعة إسرائيل دوليا، ولهذا تم استدعاؤهم إلى وزارة الخارجية الإسرائيلية لتوبيخهم، فالاتحاد الأوروبي أصدر تقريراً مدوياً من (15) صفحة، وصف فيه إستراتيجية حكومة إسرائيل الاستيطانية بأنها تشكل أكبر تهديد لحل الدولتين، وللمرة الأولى أشار الاتحاد الأوروبي- الذي يمثل (27) دولة أوروبية في تقريره،هذا الاتحاد الذي يعتبر من أهم شركاء إسرائيل التجاريين الذي يستورد منها ثلث صادراتها- أشار إلى احتمال مقاطعة الدول الأوروبية للسلع المنتجة في مستوطنات الأراضي الفلسطينية، وأشار التقرير بشكل خاص لثلاثة مشاريع من مشاريعه الاستيطانية، الأول في القدس الشرقية، والثاني في جبل أبو غنيم، والثالث في بيلو وجفعات حما، إضافة إلى خطط بناء آلاف الوحدات الاستيطانية، مما يحرم الفلسطينيين من إقامة دولتهم، واستحالة إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة. لقد أظهرت دراسة إسرائيلية أعدت من قبل مركز "أدفا" للبحوث المتخصصة يرصد التوجهات الاجتماعية والاقتصادية، وتحليل سياسة الحكومة المعتمدة، أظهرت تراجعاً ملحوظاً في مكانة إسرائيل لدى الرأي العام الدولي، وغدت صورتها سلبية للغاية، نتيجة احتلالها للأراضي الفلسطينية، والصراع المستمر بين الجانبين، الذي ترك بصماته على الساحة الدولية وداخل إسرائيل، فهذا الصراع ضعضع مكانة إسرائيل الدولية، وكان له تأثير على الجوانب المختلفة، وعلى حجم الأعباء التي يتحملها المجتمع الإسرائيلي جراء استمرار هذا الصراع، فدول العالم لا تعترف بضم القدس الشرقية لإسرائيل، ولا بشرعية المستوطنات، ولا في بناء الجدار الفاصل في الضفة الغربية، الذي أدانته محكمة "لاهاي" الدولية واعتبرته غير قانوني، إضافة إلى تقرير القاضي "ريتشارد غولدستون"، فمواصلة الاحتلال يضع إسرائيل في مكانة خلافية ومواجهات مستمرة مع أجزاء كبيرة من المجتمع الدولي، فلا توجد دولة واحدة من دول العالم، بما في ذلك الولايات المتحدة، تعترف بالسيطرة الإسرائيلية على الأراضي الفلسطينية المحتلة. الأوروبيون يعتبرون أن فشل مفاوضات السلام بين إسرائيل والفلسطينيين، سيؤدي إلى المزيد من عزلة إسرائيل ومقاطعتها، كما أن الأوروبيين لا يؤيدون طلب إسرائيل باعتراف الفلسطينيين بيهودية الدولة، بينما أخذت إسرائيل تتهم الاتحاد الأوروبي بالانحياز للفلسطينيين، وحذر الأوروبيون من استمرار البناء الاستيطاني، لأن فشل المفاوضات من وجهة نظرهم سيمس بإسرائيل، فالأجواء السائدة في أوساط المستهلكين الأوروبيين، والشركات الأوروبية تساعد في مقاطعة أوروبا لإسرائيل وسيتضرر من هذه المقاطعة أكثر من (500) منشأة صناعية في المستوطنات، حتى أن الحكومة الألمانية ترفض تمويل الشركات الصناعية الإسرائيلية العاملة في المستوطنات، وفي القدس الشرقية، وتخشى إسرائيل أن يؤدي القرار الألماني إلى عدوى في الاتحاد الأوروبي كله، والحذو حذو ألمانيا، وإسرائيل تنظر بخطورة لهذا التصعيد الألماني، فألمانيا تعتبر علاقاتها بإسرائيل متميزة، وأن هذا التراجع مصدر قلق لإسرائيل. وتحت عنوان "العالم كله ضدنا، وطوفان المقاطعة يقترب منا"، كتب المحرر العسكري لجريدة "يديعوت 18-12-2014"، أن أفضل رجال الفكر الإسرائيلي يحطمون رؤوسهم، لمعرفة كيف يمكن جمع وحشد والتأثير على دول الاتحاد الأوروبي، التي بدأت بمقاطعة زاحفة ضد الاستيطان؟ مع ازدياد الشركات الأوروبية والمنظمات الأكاديمية حتى الأميركية، التي تعلن عن مقاطعة إسرائيل، فهل ينتهى رذاذ المطر بالطوفان، ونزع الشرعية عن دولة إسرائيل، فالانطباع الحالي-حسب هذا المحرر- أن إسرائيل اقتربت من لحظة الصفر، ويقول: علينا أن لا نواصل الاعتقاد بأن كل العالم غبي، وأننا –الإسرائيليون- فقط عباقرة، فهل وصل هذا المحرر إلى استنتاج بأن لا حل أمام إسرائيل إلا بإزالة الاحتلال، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة؟ إسرائيل التي بنت عقيدتها الأمنية على القوة والردع والحسم، أصبحت هذه العقيدة من تراث الماضي، فعلاقات إسرائيل بالولايات المتحدة يربطهما حلف إستراتيجي، أخذ بالتراجع، فإسرائيل- التي تحتاج للولايات المتحدة- تأخذ منها المال والسلاح والغطاء السياسي، لكنها لا تأخذ منها النصيحة، ولا تستمع إليها في الموضوع الفلسطيني، بل أنها تستغل نفوذها في الكونغرس واللوبي الصهيوني الأميركي، للضغط والتأثير على سياسة الإدارة الأميركية، حتى أن جريدة "معاريف 17-1-2014"، توقعت أن آثاراً اقتصادية كارثية ستحل بإسرائيل في حال نفذ الاتحاد الأوروبي تهديداته، فقد نفد صبر الفلسطينيين في تحقيق السلام، في وقت تستمر فيه إسرائيل بالاستيطان، فالكاتب الأميركي المعروف "توماس فريدمان"، شبه حكومة إسرائيل بالسائق السكران الذي فقد الاتصال مع الواقع، والحكومة الإسرائيلية التي تبحث عن كبش فداء لفشلها السياسي، وجهت الاتهام للوزيرة "تسيفي لفني" المسؤولة عن ملف المفاوضات مع الفلسطينيين، بأن التصريحات التي تطلقها بمعارضتها للاستيطان تنبه بأن إسرائيل ستتحمل الثمن الكبير الذي ستدفعه حال فشل المفاوضات، فعلاقات إسرائيل الأوروبية تميزت بالخلافات المستمرة حول القضية الفلسطينية، ويقولون بأن المقاطعة الأوروبية لإسرائيل، ستكون أقوى وأكثر تأثيراً من المقاطعة العربية التي لم يعد لها ذكر، ومع أن الصحوة الأوروبية جاءت متأخرة، إلا أن المطلوب مواصلتها وتجسيدها وتعزيزها.