نشيد "اليرموك"... - حسن البطل
"يرموك احنا جنودو/ عنّو ما بنتحوّل
"يرموك أرض المرجلي/ هو صراع المرحلة
"ثورة وجهاد ومرجلة/ ودم الشهداء مسجلة
"يا حيف على اللي غادروا/ جوّا البحر تايغامروا
"يا مهجّرين عودوا/ طال السفر وطوّل
"يرموك يا زحف النصر/ صوب العدا ما ينكسر
هذا النشيد/ النشيج أدّاه، وسط الخراب والدمار، عازف واحد على "البيانو" ورتل أفقي من ستة شباب متكاتفين، يعتمرون الكوفيات.. وعلى بيوت الخراب ترفرف أعلام فلسطين.. وحدها دون شريك!
فعلت ما أفعله نادراً، وشاركت على صفحتي في تعميم هذا "الفيديو" في يوم تصادف مع يوم عرس جماعي في أريحا.
فرح وترح؟ نشيج ونشيد، للوطن والشعب، في البلاد والمنفى: "هي أغنية.. هي أغنية". هي صدى قول شاعر فلسطيني: "ادفنوا قتلاكم وانهضوا" وقول الشاعر: "نحن نحب الحياة إذا ما استطعنا إليها سبيلاً".
الشكّاؤون، البكّاؤون، النائحون على ترح "عاصمة المخيمات الفلسطينية في المنفى" استهجنوا، فيسبوكياً، كيف يصدح المغنّون في عاصمة أخفض نقطة في العالم، بالنشيد. كيف ولماذا؟ ألم يقل الشاعر إن الوطن هو، أيضاً، أن "يزوجوا بناتهم لأولادهم"؟
قوة الرُّوح فينا، كشعب، أن نواري الشهيد الثرى، وأن نزفّ العرسان إلى استمرار حياة الشعب. ماتوا لنحيا فهم أحياء. ألا يُهرِّب الأسرى المحكومون بالمؤبّدات في سجون إسرائيل "ماء الحياة" إلى زوجاتهم؟ ألا يوجد في شعبنا تقليد: الشهيد ابن الشهيد (مثلاً: الشهيد أبو حسن سلامة، ابن الشهيد علي حسن سلامة، ووالد علي).
صارت للشعب مناعة صنع الحياة في وجه الموت والفناء منذ أول النكبة، وأول مجزرة وحصار، وأول ضرّ مسّ مخيم فلسطيني خارج فلسطين.
في اليوم التالي للنشيد/ النشيج في خرائب اليرموك والعرس الجماعي في أريحا، نشرت "الأيام" صورة رئيسية في صفحتها الأولى عن دفن سبعة شهداء جدد في مخيم اليرموك، وخبراً رئيسياً.. لكن نشرت خبر الزفاف الجماعي في صفحة التتمّات!
بعد مجزرة صبرا وشاتيلا، أيلول 1982 بأيام قليلة، حضر القائد ياسر عرفات والسيدة وسيلة بورقيبة، والخارجون من حصار بيروت، عرساً في مقر قيادة المنظمة في فندق سلوى.. وكان زفافاً لمناضلة فلسطينية من مخيم شاتيلا من قوات الـ 17 زفّت إلى مناضل عراقي في الجهاز نفسه.. وما لبثت العروس أن سقطت شهيدة في الغارة الشهيرة على "حمّام الشط". كل ما أذكره عن العروس أنها كانت تهزم الجميع، بمن فيهم زوجها، في مباراة كرة الطاولة (بنغ ـ بونغ)!
نعرف أن المخيم في المنفى هو فلسطين في المنفى، وأن فيزياء المخيم، في المنفى والبلاد، متشابهة؛ وأن المخيمات أقيمت، في البلاد والمنفى، في خاصرة المدن؛ وأن الحروب الأهلية العربية هي دمار في المدن.. وأن لا حصانة للمخيمات من مخاض الحروب الأهلية العربية ولم تعد حصانة لفلسطين والفلسطينيين من فوضى الحروب الأهلية العربية.
تعرفون الكثير عن مخيم اليرموك. مكاناً، وسكاناً وموقعاً من مواقع "المخاض السوري".. لكن المخيمات ليست "غيتوات" بل مراكز جذب سكانية واقتصادية.
في مخيم اليرموك، مثلاً، كانت صبايا وجميلات دمشق، في حي أبو رمّانة والروضة، يذهبن، أواخر سبعينات القرن المنصرم، لشراء أحدث موديلات سراويل "الجينز" من أسواق مخيم اليرموك!
في حصار مخيم "تل الزعتر" كانت المدفعية الفلسطينية في بيروت الغربية تقدّم دعماً من ستار ناري للصامدين في المخيم.
فور بدء حركة "أمل" واللواء السادس، بدعم سوري، في حصار ثانٍ لمخيم شاتيلا، غادر العديد من المقاتلين فندق/ منتجع/ مقرّ المنظمة في "سلوى" وتسلّلوا عائدين للقتال لرفع الحصار عن ذويهم وشعبهم!
* * *
نشيد/ نشيج مخيم اليرموك صادر من القلب إلى العصب.. إلى الأمل، وهو يصلح لتوزيع موسيقي، وكورال من المغنين، ولمطرب من وزن محمد عسّاف، ليشكل إضافة للنشيد الفلسطيني، والأغنية الفلسطينية في المقهى، حيث كان التلفاز يبث وقائع حفل الزفاف الجماعي، قال واحد نكد: كم نسبة العرسان الذين سيطلقون بعد سنة.. بعد سنوات؟
نسبة الطلاق في فلسطين هي 20% ونسبة عنوسة البنات هي 7% لا غير.. وهذه وتلك من أقل النسب في العالم العربي.
كنا، أوّل النكبة، مليوناً وربع المليون، وصرنا أكثر من عشرة ملايين رغم المعارك والحصارات والمجازر!