"محمد بو دية" شهيد فلسطين...- عيسى عبد الحفيظ
على مدار السنوات منذ 1932 وحتى 1973، وعلى الرغم من كل الاحداث التي عصفت بحياة الشهيد محمد بو دية لم تكتب له الشهادة الا في باريس يوم 28 حزيران 1973، عندما امتطى سيارته ماركة رينو 16 وجلس خلف المقود ليتحول الى شظايا اثر انفجار ضخم تحت مقعده تماماً.
على الرغم من الخلاف الذي حدث بينه وبين الرئيس الراحل هواري بو مدين اثر انقلاب 19 حزيران 1965، الذي أطاح بحكم الرئيس احمد بن بيلا صديق وحليف الشهيد محمد بو دية، فقد طلب الرئيس بومدين ان يدفن في مقبرة القطار بالعاصمة الجزائر.
محمد بو دية الذي ولد ثائراً بالفطرة، والذي جرح عام 1956 بعد انطلاقة الثورة الجزائرية بعامين، والذي فجر أنابيب النفط الفرنسية في مرسيليا وألقي القبض عليه ليسجن عشرين عاماً، لم يمض على سجنه سوى ثلاثة أعوام هرب بعدها الى تونس بطريقة عبقرية من سجن فرنسي كثيف الحراسة. وما ان نالت الجزائر استقلالها حتى تم تعيينه مديرا للمسرح الوطني وقام بتأسيس جريدة «نوفمبر» و«الجزائر هذا المساء».
غادر الجزائر اثر انقلاب بومدين ضد الرئيس بن بيلا الى فرنسا حيث بدأ هناك نشاطه المسرحي نهاراً والنضالي ليلاً. أرسل رسالة موقعة من آلاف المثقفين الفرنسيين والعرب يطالب فيها باطلاق سراح الشاعر الاسباني كارلوس لغريزو وضد ديكتاتورية فرانكو وقام عام 1964 بتخصيص مداخيل المسرح لدعم كفاح الشعب الفلسطيني.
تعرف في احدى زياراته الى كوبا بالمناضل وديع حداد ما جعله على تماس مباشر بالقضية الفلسطينية وعندما انتسب الى جامعة باتريس لومومبا في موسكو تعرف على الفنزويلي كارلوس الذي سرعان ما استقطبه لصالح القضية الفلسطينية. عاد الى باريس في مطلع السبعينيات كقائد للعمليات الخاصة للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في أوروبا، وعلى صلة بصديقه الشهيد علي حسن سلامة قائد قوات الـ 17 تحت اسم حركي جديد «ابو ضياء».
ربط علاقاته الجديدة في السبعينيات مع كل الثوار والحركات في العالم منها الألوية الحمراء الايطالية، حركة بادر ماينهوف الالمانية، الجيش الاحمر الياباني، ثوار الباسك في اسبانيا، الجيش الثوري الارمني.
بعد عملية ميونخ الشهيرة، أصدرت غولدا مائير تعليماتها لجهاز الموساد بالانتقام عن طريق عمليات اغتيال لقيادات فلسطينية. فكانت عملية فردان في بيروت حيث أدت الى سقوط الشهداء الثلاثة كمال عدوان، كمال ناصر، ابو يوسف النجار. كما تم اغتيال محمود الهمشري بعد تفخيخ هاتفه الارضي في باريس، ووائل زعيتر وباسل الكبيسي.
عندما زار القائد الراحل ابو داوود باريس عام 1977 وتم التحفظ عليه من طرف السلطات الفرنسية وكان للتدخل الجزائري أثره الكبير أدى الى الافراج عنه بوساطة جزائرية التي استضافته في العاصمة، كان أول ما فعله هو زيارة ضريح الشهيد محمد بو دية والترحم عليه، فقد كانت العلاقة بين الاثنين قديمة وعميقة. علاقات الثوار وعلاقات ثورتين انتصرت الاولى على الاستعمار الفرنسي المدعم بقوات حلف شمال الاطلسي، والتاريخ سيشهد انتصار الثانية على هذا الاستعمار الاستيطاني المجنون، وعلى حد قول الشهيد ياسر عرفات «شاء من شاء وأبى من أبى» وتلك هي حتمية التاريخ.
نترحم على أرواح شهدائنا جميعاً وانها لثورة حتى النصر.