نبيل عمرو وشجرة الذاكرة- يحيى رباح
للمرة الثانية يسعدني الحظ في المشاركة في فعالية توقيع كتاب لصديقي العزيز نبيل عمرو، حيث كانت المرة الأولى في غزة قبل أكثر من سنة، حين شاركت مع صديقي العزيز حسن الكاشف في إقامة احتفال جميل في قاعة فندق الكومودور على شاطئ بحر غزة لتوقيع كتاب بعنوان "ياسر عرفات وجنون الجغرافيا" وهو الكتاب الذي عرض فيه نبيل عمرو بلغة أنيقة، لغة إذاعية، بعضاً من تجاربه ورؤاه مع الزعيم الخالد ياسر عرفات يرحمه الله الذي قتل مسموماً على يد الإسرائيليين بعد حصار في المقاطعة "مقر الرئاسة" في رام الله، دام ثلاث سنوات.
والحقيقة أن نبيل عمرو استقبل وقتها من قبل النخبة السياسية والثقافية والاجتماعية في قطاع غزة بحفاوة بالغة، وقد حفل الكتاب بثراء واسع من الوقائع والحقائق التي تشهد للرئيس ياسر عرفات بتلك الخصوصيات التي يتمتع بها، وتلك القدرة التي منحها الله له على المتابعة الدائمة للقضايا الكبرى والتفاصيل الميكروسكوبية على حد سواء، والقدرة على استمرار التأثير والحركة في أضيق نطاق ممكن وفي أصعب اللحظات المخنوقة.
وبما أن نبيل عمرو منذ عرفته لم يكن إنساناً متجهماً أبداً، وله عينان تلتقطان المفارقات الدقيقة، فقد كانت شهادته عن ياسر عرفات قيمة إضافية تضيء شجرة الذاكرة الوطنية بقناديلها الملونة.
المناسبة الثانية: هي توقيع كتاب بعنوان " إذاعة صوت العاصفة" وهي تجربة إذاعتنا في المنفى، انطلاقاً من القاهرة أولاً في الحادي عشر من أيار 1968 ثم انطلاق إذاعات باسم صوت العاصفة في درعا والجزائر وبغداد وصنعاء وعدن والخرطوم وتونس وغيرها، التي أصبحت تعرف بعد ذلك باسم صوت فلسطين، بل لقد انطلقت إذاعات تحت اسم صوت العاصفة من برج رحال، والبابلية في جنوب لبنان، وفي جبل دربل في أقصى شمال لبنان، وقد جسدت تجربة إذاعة صوت العاصفة علامات مهمة سواء على مستوى الأداء اليومي، أو اللغة الجديدة، أو الأناشيد التي أصبحت عظيمة الشهرة، وكان عنوان إذاعة صوت العاصفة في ذلك الوقت "الكلمة الصادقة المعبرة عن الطلقة الشجاعة" وكان إسهام نبيل عمرو في تلك التجربة إسهاماً ملحوظاً ومميزاً.
تجربة إذاعة صوت العاصفة كتب عنها الكثيرون، أذكر منهم الدكتور حسين أبو شنب، ويحيى رباح كاتب هذا المقال، وخالد مسمار في مذكراته بعنوان " كيف أصبحت مذيعاً"، وحتى وزارة الإعلام التي تعد كتاباً جامعاً عن الإذاعة الفلسطينية.
وكتاب نبيل عمرو "صوت العاصفة" الذي احتفينا به وبمؤلفه يوم أمس الأحد في مركز محمود درويش الثقافي، يستحق الاهتمام والشكر، لأن تلك القافلة الكبرى، والظاهرة المميزة التي اسمها الثورة الفلسطينية المعاصرة، تركت منذ انطلاقتها في 1/1/1965 بصمات واضحة لا تمحى في هذه المنطقة، بصمات جميلة وخارقة عن قوة الحلم وقوة الإبداع، والمحاولات المقصودة وغير المقصودة لطمس أثار تلك القافلة المجيدة وتلك الظاهرة الخالدة لن تجدي نفعاً مهما كان وراءها من قوى معادية، لأن أبناء تلك الثورة وأجيالها ما زالت متشبثة بالأصل، أصل القضية، وهذا ما نطلق عليه في السياسة "ثوابتنا الوطنية" والأجيال الوفية لهذه الثوابت لديها حضورها العظيم حتى وإن تغير شكل دورها، وهم يزرعون أشجار ذاكرتهم الجميلة في كتب، ومذكرات وإبداعات متنوعة، فقد كتبت شخصياً منذ نهاية السبعينيات وحتى نهاية التسعينيات عدة كتب حول التجربة تحت عناوين مختلفة مثل "يوميات إذاعة في الميدان" وكتاب "أوراق من زمن الاشتباك" وكتاب بعنوان "جمهورية الفاكهاني" وآخر كتاب صدر في 2010 بعنوان "سهرة مع الـ F16" سجلت فيه يوميات الحرب الإسرائيلية على غزة في نهاية العام 2008 وبداية العام 2009.
كما أصدر صديقي فيصل الحوراني سلسلة "دروب المنفى" وتجربته خلال حصار بيروت تحت عنوان "حالة حصار"، وكتب أحمد عبد الرحمن كتابه الأخير عن ياسر عرفات، وكذلك ما كتبه بسام أبو شريف وغازي الخليلي وزياد عبد الفتاح وآخرون، التجربة حية في العقول والقلوب، وشجرة الذاكرة الفلسطينية خضراء متفتحة مشنشلة بالورود، وواجب علينا أن نضع في المكتبة الفلسطينية زاداً لأجيالنا القادمة، وشكراً لصديقي العزيز نبيل عمرو لأنه أحد فرسان التجربة المميزة، وأحد الذين قدموا للمكتبة الفلسطينية ما يزيدها ثراء وجمالاً.
Yhya_rabahpress@yahoo.com
Yhya-rabahpress@hotmail.com