حقائق تؤلمنا وحلول قد تسعدنا!- د.صبري صيدم
ليس من باب النحيب ولا من باب الندب أكتب هذه الكلمات وإنما لقناعة واقعة نعرفها ونعيش أثرها كل يوم لكننا لم نصل حتى تاريخه إلى الخطوات اللازمة لمعالجتها. الحديث بالتحديد يدور حول البحث العلمي وما قد نراه من حلول بجب أن نأخذها حتى نغير هذا الحال.
فمن كان يعتقد بأننا وفي مضمار البحث العلمي بخير فليتوقف لحظة. ليس لأننا نهوى الشكوى والتحسر بل رغبة في امتلاك الشجاعة لمراجعة أمورنا على أرضية الحل.
ففي تشخيص واقع البحث العلمي العربي ربما تكفي الإشارة إلى أن الإنتاج المعرفي العربي يبدو متوقفا بالمقارنة مع جيراننا الخصوم وما ننتجه فلسطينيا على مستوى الأوراق العلمية البحثية المنشورة هو واحد على الألف مما ينتجه هؤلاء الجيران.
أما حجم المرصود لدعم موازنات التعليم لدى إسرائيل فيزيد بواقع الضعف عنّا، بينما نجد أن حجم البحث العلمي المنتج لصالح المؤسسة العسكرية لدينا فهو ونتيجة الظروف السياسية غير موجود بينما يخصص الجيران 50% تقريباً من موازنة الدفاع للبحث العلمي لتطوير أنظمة الرصد والتجسس والتحكم والمراقبة والملاحة والتوجيه والتخصيب الذري والذكاء الاصطناعي وفي مجالات عدة.
ويمتلك الإسرائيليون أيضاً اليوم حضوراً تقنياً كبيراً لدرجة أن معظم المعدات الإلكترونية المنتجة دولياً تحوي في مكوناتها في حاضرنا هذا قطعة أو اثنتين من الأجهزة الإلكترونية الشائعة والتي طورت إسرائيلياً.
كل هذا جاء نتيجة ارتكاز الدولة العبرية على التعليم والعلوم. وربما بإنشاء جامعة التخنيون والجامعة العبرية قبل الإعلان عن قيام إسرائيل يكون المحتل قد وضع يده على القطاع الذي شكل بالنسبة له رافعة نوعية لبقائه ونمائه ورخائه وسطوته وحضوره المذكور.
الاستدلال بما يمتلك المحتل لا يأتي من باب التغني بل من باب النظر ملياً في الفارق المعرفي القائم حالياً والذي عززه الاحتلال والفارق الاقتصادي الأكبر الذي قادنا إليه من باب التجبر المالي والعسكري.
لكن وبعيداً عن المحتل لا بد من مصارحة الذات والقول بأن لدينا ما نمتلك السيطرة عليه من خطوات تجعلنا نسعى لتطوير التعليم وانعاش البحث العلمي بعيداً عن الشكوى والأنين المعتاد وتقرباً أكبر من الرغبة في تحديد الحلول بعد توصيف التحديات وإن كان هذا الأمر قاسياً أو لا يروق لنا.
فنظام التعليم القائم حالياً في فلسطين لم يعد صالحاً بصورته الحالية وهذا لا يعني الانتقاص من دور الأسرة التعليمية وما أنجزته من حفاظ على الهوية والصمود وما راكمته من بطولات، بل يعني الأخذ بيدها لتطوير التعليم وتحديثه وعصرنته.
فحتى لو اقتنعنا بأن وزارة الدفاع الفلسطينية هي التعليم ثم التعليم فإن وزارات الدفاع في العالم تغير وتطور امكانياتها، لذا لا ضير في مراجعتنا لذاتنا وقدراتنا والبحث عن سبل تطويرها.
ولا بأس بأن نواجه بعض الإجراءات الواجب اتخاذها كالإطاحة بنظام التوجيهي في العام 2015 وأن يصار إلى تعزيز التعليم التفاعلي الأفقي التحليلي التشاركي.
يجب أيضا البحث في دمج التعليم التقني بالتعليم النظامي لتوسيع مدارك الطلاب وإكسابهم مهارات مختلفة وقتل الصورة النمطية الدونية عن الحرفيين والمهنيين.
يجب أيضا تعزيز المفهوم الريادي الإبداعي المبادر وتوجيه الطلبة باتجاه رغباتهم وقدراتهم وهواياتهم مع مراعاة التقاطع مع حاجات سوق العمل وخطط التنمية الحكومية المعتمدة.
يجب أيضا تطوير كفاءة المعلم وقدراته التقنية وتحسين دخله بصورة تحفيزية مرتبطة بتطور أدائه وتحصيله لخبرات جديدة. كما يجب دمج الأهل في عملية التطوير هذه كشركاء وليس فقط كراعين اجتماعيين وممولين لمسيرة أبنائهم في التعليم.
كذلك لا بد من البحث في سبل إراحة الجامعات من ابتذال الذات لدفع الرواتب وعدم امتلاكها للمساحة المالية لتشجيع البحث العلمي. وبهذا لا ضرر من السعي لإنشاء وقفية وطنية لدعم مؤسسات التعليم العالي بقيمة 300 مليون دولار على الأقل.
هذا كله ليس ترفا فكريا وإنما أفكار مطروحة في معظمها على طاولة النقاش الآن في لجنة مراجعة المسيرة التعليمية التي شكلتها الحكومة مؤخرا.
قرارات حكومية وقوانين داعمة وتمويل تنموي لا سياسي خطوات مطلوبة على الطريق. أما مؤسسات القطاع الخاص فيجب أن تتمكن من الاستفادة من صندوق يستحدث فيما بين القطاع العام والجامعات والقطاع الخاص والمجتمع المدني يسمى بصندوق البحث العلمي وذلك لتمكين الجميع من تطوير قدراته البحثية.
إن الاستثمار في التعليم والبحث العلمي ليس فعلا ارتجاليا أو رمزيا أو حتى احتفاليا وإنما طريق حتمي لتغيير الواقع المعاش للمواطن والمجتمع الفلسطيني والسبيل الأقدر لاستحداث حياة جديدة بمساحة يكثر فيها الحماس وتشكل فتحا جديدا لآفاق أكثر شعبية تتجاوب وطموح الشعب الفلسطيني.. أزعجتكم بعض الأرقام؟ إذا في التطوير عبرة!
s.saidam@gmail.com