صفحات من أوراق علي أبو طوق (2)- معين الطاهر*
ترى كم مرة جرح علي ؟؟ احاول ان أتذكر. فهو قد جرح الجرح فوق الجرح فوق الجرح. أذكر أن المرة الأولى كانت سنة 1976 حين كان يشغل موقع قيادة منطقة رأس النبع في بيروت. وتمكن مع اخوانه من حماية المنطقة بل ومن انقاذ حي البرجاوي المجاور والممتد على شكل شريط ضيق داخل حي الأشرفية. ومنع قوات الكتائب من احتلاله. وضمن بذلك سلامة المناطق الاسلامية في رأس النبع والبسطة.
على أن الانجاز الأهم الذي سجله تمثل في حماية أمن سكانها، مسلمين ومسيحيين، من نهب وترويع عملاء الأجهزة ومروجي الفتنة الطائفية وتجار الحروب المتسترين ببعض اليافطات الوطنية. في رأس النبع أنقذ علي أرواح العشرات من سكانها المسيحيين. وعزز روابط الوحدة والمحبة بينهم وبين اخوانهم المسلمين. وأقام اللجان الشعبية من سكانها بحيث استحالت المنطقة بأسرها أسرة واحدة كبيرة.
لم يرق هذا لجمع من المتضررين، فكان أن دبروا محاولة لاغتياله، وهنا افتعل بعض المشبوهين مشكلة، اطلق خلالها أحدهم النار عليه من بندقية كلاشنكوف. فكان أن امسك علي بعد اصابته بالبندقية ويد القاتل قابضة على زنادها. وحولها من صدره الى صدر القاتل. وخرج علي يومها بجروح وكسور في الساق وحروق شديدة في اليدين.
وقبل ان يمضي شهر على ذلك، عاد علي الى راس النبع،التي كانت نيران القناصة تؤرق بعض شوارعها. وأراد مشاركة اخوانه في بناء متراس يحمي رؤوس الأطفال الأبرياء من الطلقات الغادرة. الا أن القناص المتربص، الذي هاله منظر الشاب الذي يحمل كيس رمل بيد، ويتكئ على عكازته باليد الأخرى، عاجله بطلقة أصابت ذات الساق الملفوفة بالجبس. وليترك الجرح وساما دائما تجلى في عرجة خفيفة ظلت تميز شبح علي حين يطل علينا من بعيد.
في سنة 1980 حاز علي وساما آخر. بينما كان يقوم مع عدد من اخوانه بتنفيذ خطة تجهيز هندسي على الحد الأمامي في منطقة كفر تبنيت. اذ انفجر لغم نالته منه شظية أصابت ساقه الأخرى، ولم تمض أيام حتى كان على رأس عمله من جديد.
يومها انتقد بعض اخوانه موقفه هذا، عبر رسالة وجهوها اليه، واستهلوها بالقول " ان عليا قدوة لاخوانه المقاتلين ومثلا لهم وقد علمهم أن الفدائي ملك للثورة والشعب. لذا فانهم ينتقدون سلوكه الذي يتضمن استهتارا بالاصابة. وعدم الاهتمام الكافي باستمرار العلاج.. "يومها اشرق وجه علي خجلا.. وبعناده المعهود حاول المقاومة والدفاع.. استخدم كل المبررات الممكنة للرد على هذا النقد.. وفي نهاية المطاف استسلم لمنطق النقد الموجه اليه من أحبائه واخوانه. وجرى تعميم الرسالة بعد تذييلها بوعد من علي بأن يهتم أكثر بجراحه وصحته. لكن لعله الوعد الوحيد الذي لم ينفذه
أما في مخيم البداوي فقد اصيب علي بجراح طفيفه ناجمة عن صاروخ ضل طريقه، وجاء يسعى لاقتلاع الثورة عن جذورها، ورميها الى البحر والمنافي. ولكن خلف هذه الجراح الطفيفة.. استقر جرح عميق في وجدانه منذ أن بدأت الطلقات التي ضلت الطريق تدوي في سماء البقاع. كان علي يدرك بحدس الثائر أن هدف هذا الاقتتال ابعاد المقاتلين عن ساحة الصراع ضد العدو الصهيوني. ولذا ووسط اتون الطلقات الضالة ظل علي يتحين الفرص لتنفيذ عملية أو ارسال دورية ضد العدو الصهيوني. لعل انفجار لغم تحت دبابة صهيونية يلفت أنظار هؤلاء ويجذب البنادق في اتجاهها الصحيح.
في شاتيلا جرح علي أكثر من مرة، في احداها كان عدد الجرحى كبيراً. انتظر تضميد جروح الجميع، رافضا باصرار منحه أي أولوية، حتى فرغ الدكتور يانو من علاج الجميع، رفض علي البقاء في المستشفى وأصر على العودة الى الخنادق ليطمئن على من بقي من رفاقه.
*قائد كتيبة الجرمق الطلابية في مرحلة الثورة بلبنان وكادر قيادي في فتح